إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

{ وَلَوْ أَرَادُواْ الخروج } يدل على أن بعضَهم قالوا عند الاعتذارِ : كنا نريد الخروجَ لكن لم نتهيأ له ، وقد قرُب الرحيلُ بحيث لا يمكننا الاستعدادُ ، فقيل تكذيباً لهم : لو أرادوه { لاعَدُّواْ لَهُ } أي للخروج في وقته { عِدَّةَ } أي أُهبةً من العَتاد والراحلة والسلاح وغيرِ ذلك مما لا بد منه للسفر ، وقرىء عُدَّه بحذف التاءِ ، والإضافةِ إلى ضمير الخروج كما فعل بالعِدَة مَنْ قال : [ البسيط ]

[ إن الخليط أجدوا البين فانجردوا ] *** وأخلفوك عِدَ الأمرِ الذي وعَدوا{[357]}

أي عِدتَه وقرىء عِدّةً بكسر العين وعِدَّهُ بالإضافة { ولكن كَرِهَ الله انبعاثهم } أي نهوضَهم للخروج . قيل : هو استدراك عما يُفهم من مقدم الشرطيةِ فإن انتفاءَ إرادتِهم للخروج يستلزم انتفاءَ خروجِهم ، وكراهةَ الله تعالى انبعاثَهم تستلزم تثبيطَهم عن الخروج ، فكأنه قيل : ما خرجوا ولكن تثبَّطوا والاتفاق في المعنى لا يمنع الوقوعَ بين طرَفي لكنْ بعد تحققِ الاختلافِ نفياً وإثباتاً في اللفظ كقولك : ما أحسن إلى زيد ولكنْ أساء والأظهرُ أن يكون استدراكاً من نفس المقدم عن نهج ما في الأقيسة الاستثنائيةِ والمعنى لو أرادوا الخروجَ لأعدوا له عُدة ولكن ما أرادوه لِما أنه تعالى كره انبعاثَهم لما فيه من المفاسد التي ستَبِين { فَثَبَّطَهُمْ } أي حبسهم بالجُبن والكسلِ فثبطوا عنه ولم يستدعوا له { وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القاعدين } تمثيلٌ لإلقاء الله تعالى كراهةَ الخروجِ في قلوبهم أو لوسوسة الشيطانِ بالأمر بالقعود أو هو حكايةُ قولِ بعضِهم لبعض أي هو إذنُ الرسول صلى الله عليه وسلم لهم في القعود ، والمرادُ بالقاعدين إما المعذورون أو غيرُهم ، وأياً ما كان فغيرُ خالٍ عن الذم .


[357]:البيت للفضل بن عباس في شرح التصريح 2/396؛ وشرح شواهد الشافية ص 64؛ ولسان العرب (غلب، خلط)؛ والمقاصد النحوية 4/572؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/241؛ وأوضح المسالك 4/407؛ وشرح شافية ابن الحاجب 1/158؛ والخصائص 3/171؛ وشرح عمدة الحافظ ص 486.