محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

ثم بين تعالى جلية شأن أولئك المنافقين المستأذنين ، بأنهم لم يريدوا الخروج للجهاد حقيقة ولذلك خذلهم فقال سبحانه :

46 { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين } .

{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة } بضم العين وتشديد الدال ، أي قوة من مال وسلاح وزادٍ ، ونحوها { ولكن كره الله انبعاثهم } أي نهوضهم للخروج { فثبطهم } أي فكسلهم وضعف رغبتهم{ وقيل اقعدوا مع القاعدين } أي من النساء والصبيان .

تنبيهات

الأول- دل قوله تعالى : { لأعدوا له عدة } على أن عدة الحرب من الكراع والسلاح وجميع ما يستعان به على العدو ، من جملة الجهاد . فما صرف في المجاهدين ، صرف في ذلك ، وهذا جلي فيما يتقى به من العدة كالسلاح ، فأما ما يحصل به الإرهاب من الرايات والطبول ونحو ذلك ، مما يضعف به قلب العدو ، فهو داخل في الجهاد وقد قال تعالى في سورة الأنفال{[4539]} { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم } ويكون ذلك كلباس الحرير حالة الحرب ، وهذا جلي حيث لا يؤدي إلى السرف .

الثاني – إن الفعل يحسن بالنية ، ويقبح بالنية ، وإن استويا في الصورة لأن النفير واجب مع نية النصر ، وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح ، وذلك لأنه تعالى أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل منه من إرادة المكر بالمسلمين .

/ الثالث- للإمام منع من يتهم بمضرة المسلمين ، أن يخرج للجهاد فله نفي الجاسوس والمرجف والمخذل . ذكر ذلك كله بعض مفسري الزيدية .

الرابع- ذكروا أن قوله تعالى : { وقيل اقعدوا مع القاعدين } تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم . يعني نزل خلق داعية القعود فيهم ، منزلة الأمر ، والقول الطالب ، كقوله تعالى{[4540]} { فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم } أي أماتهم ، أو هو تمثيل لوسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو هو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو هو إذن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهم بالقعود .

قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى قوله : { مع القاعدين } ؟ قلت : هو ذم لهم ، وتعجيز وإلحاق بالنساء والصبيان والزَّمْنَى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت ، وهم القاعدون والخالفون والخوالف . ويبينه قوله تعالى : { رضوا بأن يكونوا مع الخوالف } .

قال الناصر : وهذا من تنبيهاته الحسنة ، ونزيده بسطا فنقول : لو قيل : { اقعدوا } مقتصرا عليه ، لم يفد سوى أمرهم بالقعود ، وكذلك ( كونوا مع القاعدين ) ولا تحصل هذه الفائدة من إلحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفين عند الناس بالتخلف والتقاعد ، الموسومين بهذه السمة ، إلا من عبارة الآية ، ولعن الله فرعون لقد بالغ في توعد موسى عليه السلام ، بقوله : { لأجعلنك من المسجونين } {[4541]} ولم يقل : لأجعلنك مسجونا لمثل هذه النكتة من البلاغة .


[4539]:8 / الأنفال / 60.
[4540]:2 / البقرة / 243.
[4541]:26 / الشعراء / 29.