فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة } أي لو كانوا صادقين فيما يدعونه ويخرجونك به من أنهم يريدون الجهاد معك ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يحتاجون إليه لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون ، فمعنى هذا الكلام أنهم لم يريدوا الخروج أصلا ولا استعدوا للغزو ، والعدة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح .

{ ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم } الاستدراك هنا يحتاج إلى تأمل ، فلذلك قال الزمخشري : ما حاصله ولكن كره الله خروجهم فثبطوا عن الخروج فيكون المعنى ما خرجوا ولكن ثبطوا لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج ، والانبعاث الخروج أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم وكسلهم لأنهم قالوا إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين .

وقيل المعنى لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن ما أرادوه لكراهة الله له ، وعلى هذا فهو استدراك على نفس المقدم على نهج ما في الأقيسة الاستثنائية ، وكان في خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مفسدة عظيمة بدليل أنه تعالى أخبر عنها بقوله الآتي { ما زادوكم إلا خبالا } وأما عتاب الله لرسوله بقوله { لم أذنت لهم } فإنه أذن لهم قبل تمام الفحص وإكمال التأمل والتدبر في حالهم ، فلهذا السبب عاتبه ، وقيل إنما عاتبه لأجل أنه أذن لهم قبل أن يوحى إليه في أمرهم بالقعود .

{ وقيل اقعدوا } والقائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة ، وقيل قاله بعضهم لبعض ، وقيل قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضبا عليهم ، وقيل هو عبارة عن الخذلان أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلانا لهم ، وقال السيوطي : أي قدر الله ذلك أي القعود يعني فلا قول بالفعل لا من الله ولا من النبي صلى الله عليه وسلم .

{ مع القاعدين } أي مع أولي الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان وفيه من الذم لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى .