معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله علم أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حسن العاقبة { رب قد آتيتني من الملك } ، يعني : ملك مصر ، والملك : اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير { وعلمتني من تأويل الأحاديث } يعني : تعبير الرؤيا { فاطر } ، أي : يا فاطر { السماوات والأرض } أي : خالقهما { أنت وليي } أي : معيني ومتولي أمري { في الدنيا والآخرة توفني مسلماً } يقول اقبضني إليك مسلما ، { وألحقني بالصالحين } يريد بآبائي النبيين . قال قتادة : لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف . وفي القصة : لما جمع الله شمله وأوصل إليه أبويه وأهله اشتاق إلى ربه عز وجل فقال هذه المقالة . قال الحسن : عاش بعد هذا سنين كثيرة . وقال غيره : لما قال هذا القول لم يمض عليه أسبوع حتى توفي . واختلفوا في مدة غيبة يوسف عن أبيه ، فقال الكلبي : اثنتان وعشرون سنة . وقيل : أربعون سنة . وقال الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة . وفي التوراة مات وهو ابن مائة وعشر سنين ، وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد : أفراثيم وميشا ورحمة امرأة أيوب المبتلى عليه السلام . وقيل : عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة . قيل : أكثر . واختلفت الأقاويل فيه . وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة ، فدفنوه في النيل في صندوق من رخام ، وذلك أنه لما مات تشاح الناس فيه فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته ، حتى هموا بالقتال ، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجري الماء عليه وتصل بركته إلى جميعهم . وقال عكرمة : دفن في الجانب الأيمن من النيل ، فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ، فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ، فدفنوه في وسطه وقدروا ذلك بسلسة فأخصب الجانبان جميعا إلى أن أخرجه موسى فدفنه بقرب آبائه بالشام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

{ 101 } { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }

لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك ، وأقر عينه بأبويه وإخوته ، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه ، قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام :

{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك { وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } أي : من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا } أي : أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه ، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت ، { وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

ثم ختم يوسف - عليه السلام - ثناءه على الله - تعالى - بهذا الدعاء الذي حكاه القرآن عنه في قوله : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك } أى : يا رب قد أعطيتنى شيئاً عظيماً من الملك والسلطان بفضلك وكرمك .

{ وَعَلَّمْتَنِي } - أيضاً - شيئاً كثيراً { مِن تَأْوِيلِ الأحاديث } أى : من تفسيرها وتعبيرها تعبيراً صادقاً بتوفيقك وإحسانك .

{ فَاطِرَ السماوات والأرض } أى : خالقهما على غير مثال سابق ، وهو منصوب على النداء بحرف مقدر أى : يا فاطر السموات والأرض .

{ أَنتَ وَلِيِّي } وناصرى ومعينى { فِي الدنيا والآخرة } .

{ تَوَفَّنِي } عندما يدركنى أجلى على الإِسلام ، وأبقنى { مُسْلِماً } مدة حياتى .

{ وَأَلْحِقْنِي } في قبرى ويوم الحساب { بالصالحين } من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

وبهذا الدعاء الجامع الذي توجه به يوسف إلى ربه - تعالى - يختتم القرآن الكريم قصة يوسف مع أبيه ومع إخوته ومع غيرهم ممن عاشرهم والتقى بهم وهو دعاء يدل على أن يوسف - عليه السلام - لم يشغله الجاه والسلطان ولم يشغله لقاؤه عن طاعة ربه ، وعن تذكر الآخرة وما فيها من حساب . .

وهذا هو شأن المصطفين الأخيار الذين نسأل الله - تعالى - أن يحشرنا معهم ، ويحلقنا بهم ، ويوفقنا للسير على نهجهم . . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

أعقب ذكر نعمة الله عليه بتوجهه إلى مناجاة ربه بالاعتراف بأعظم نعم الدنيا والنعمة العظمى في الآخرة ، فذكر ثلاث نعم : اثنتان دنيويتان وهما : نعمة الولاية على الأرض ونعمة العلم ، والثالثة : أخروية وهي نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام وجعل الذي أوتيه بعضاً من الملك ومن التأويل لأن ما أوتيه بعض من جنس الملك وبعض من التأويل إشعاراً بأن ذلك في جانب مُلك الله وفي جانب علمه شيء قليل . v وعلى هذا يكون المراد بالمُلك التصرف العظيم الشبيه بتصرف المَلِك إذ كان يوسف عليه السلام هو الذي يُسير المَلك برأيه . ويجوز أن يراد بالمُلك حقيقته ويكون التبعيض حقيقياً ، أي آتيتني بعض المُلك لأن المُلك مجموع تصرفات في أمر الرعية ، وكان ليوسف عليه السلام من ذلك الحظُّ الأوفر ، وكذلك تأويل الأحاديث .

وتقدم معنى تأويل الأحاديث عند قوله تعالى : { ويعلمك من تأويل الأحاديث } [ يوسف : 6 ] في هذه السورة .

و{ فاطر السماوات والأرض } نداء محذوف حرف ندائه . والفاطر : الخالق . وتقدم عند قوله تعالى : { قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض } في سورة الأنعام ( 14 ) .

والولي : الناصر ، وتقدم عند قوله تعالى : { قل أغير الله أتخذ ولياً } في سورة الأنعام .

وجملة { أنت وليي في الدنيا والآخرة } من قبيل الخبر في إنشاء الدعاء وإن أمكن حمله على الإخبار بالنسبة لولاية الدنيا ، قيل لإثباته ذلك الشيء لولاية الآخرة . فالمعنى : كن وليي في الدنيا والآخرة .

وأشار بقوله : { توفني مسلما } إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق ، فإن طلب توفّيه على الدين الحق يقتضي أنه متصف بالدين الحق المعبر عنه بالإسلام من الآن ، فهو يسأل الدوام عليه إلى الوفاة .

والمسلم : الذي اتصف بالإسلام ، وهو الدين الكامل ، وهو ما تعبّدَ اللّهَ به الأنبياء والرسل عليهم السلام . وقد تقدم عند قوله تعالى : { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } في سورة آل عمران ( 102 ) .

والإلحاق : حقيقته جعل الشيء لاَ حقاً ، أي مُدركاً من سبقه في السّيْر . وأطلق هنا مجازاً على المَزيد في عداد قوم .

والصالحون : المتصفون بالصلاح ، وهو التزام الطاعة . وأراد بهم الأنبياء . فإن كان يوسف عليه السلام يومئذٍ نبيئاً فدعاؤهُ لطلب الدوام على ذلك ، وإن كان نُبّىء فيما بعد فهو دعاء لحصوله ، وقد صار نبيئاً بعد ورسولاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

... فلما جمع الله ليوسف شمله، فأقر بعينه، وهو مغموس في الملك والنعمة، اشتاق إلى الله وإلى آياته، فتمنى الموت...

قال: {رب قد ءاتيتني}، يعني قد أعطيتني {من الملك} على أهل مصر... {وعلمتني من تأويل الأحاديث}... يعني تعبير الرؤيا.

{فاطر السماوات والأرض}، يعني: خالق السماوات والأرض، كن {أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما}، يعني: مخلصا بتوحيدك، {وألحقني بالصالحين}، يعني: أباه يعقوب، وإسحاق، وإبراهيم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال يوسف بعد ما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوّقا إلى لقاء آبائه الصالحين:"رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ" يعني: من ملك مصر، "وَعَلّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ "يعني من عبارة الرؤيا، تعديدا لنعم الله وشكرا له عليها. "فاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ" يقول: يا فاطر السموات والأرض، يا خالقها وبارئها، "أنْتَ وَلِيّي في الدّنْيَا والاَخِرَةِ" يقول: أنت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك. "تَوَفّنِي مُسْلِما" يقول: اقبضني إليك مسلما، "وألْحِقْنِي بالصّالْحِينَ" يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك...

عن ابن إسحاق، قال: قال يوسف حين رأى ما رأى من كرامة الله وفضله عليه وعلى أهل بيته حين جمع الله له شمله، وردّه على والده، وجمع بينه وبينه فيما هو فيه من الملك والبهجة: "يا أبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤْياي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبّي حَقّا" إلى قوله: "إنّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ"، ثم ارعوى يوسف، وذكر أن ما هو فيه من الدنيا بائد وذاهب، فقال: "رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وعَلّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ فاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ أنْتَ وَلِيّي في الدّنْيا والاَخِرَةِ تَوَفّنِي مُسْلِما وألْحِقْنِي بالصّالِحِينَ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

(أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) يشبه أن يكون تأويله: أنت ولي نعمتي في الدنيا والآخرة... ويحتمل: أنت أولى بي في الدنيا والآخرة، أو أنت ربي وسيدي في الدنيا والآخرة...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... الاعلام هو إيجاب العلم بإيجاده والتعريض له. والمعنى فهمتني تأويل الأحاديث التي تؤدي إلى العلم بما احتاج إليه...

"فاطر السموات والارض" فالفطر: الشق عن أمر باختراعه عند انشقاقه، ففطر السموات والأرض: اختراعهما بما هو كائن كالشق عما يظهر فيه. ومنه تفطر الشجر بالورق...

وقوله "أنت وليي" أي ناصري، والولي النصير بما يتولى من المعاونة، فإذا وصف تعالى بأنه ولي المؤمن، فلأنه ينصره بما يتولى من معونته وحياطته، وإذا وصف المؤمن بأنه ولي الله، فلأن الله ينصره بمعونته، فتجري الصفة على هذا المعنى. وقوله "توفني مسلما" معناه اقبضني إليك إذا أمتني وأنا مسلم أي الطف لي بما أموت معه على الإسلام.

"وألحقني بالصالحين" من آبائي إسحاق وإبراهيم، أي اجعلني من جملتهم و (من) في قوله "من الملك" وقوله "من تأويل الاحاديث" دخلتا للتبعيض لأنه لم يؤته الله جميع الملك، ولا علمه جميع الأشياء، ويحتمل أن تكون دخلت لتبيين الصفة، كما قال "اجتنبوا الرجس من الأوثان"...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{توفني مُسْلِماً}: قيل عَلِمَ أنه ليس بعد الكمال إلا الزوال فَسأَلَ الوفاة. وقيل من أمارات الاشتياق تمنِّي الموت على بساط العوافي مثل يوسف عليه السلام أُلقِيَ في الجُبِّ فلم يقل توفني مسلماً، وأقيم فيمن يزيد فلم يقل توفني مسلماً، وحُبِسَ في السجن سنين فلم يقل توفني مسلماً، ثم لما تمَّ له المُلْكُ، واستقام الأمر، ولَقِيَ الإخوةَ سُجَّداً، وأَلْفَى أبويه معه على العرش قال: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً} فعُلِمَ أنه كان يشتاق للقائه سبحانه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

... {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} طلب للوفاة على حال الإسلام، ولأن يختم له بالخير والحسنى، كما قال يعقوب لولده {وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... ذكر المهدوي تأويلاً آخر -وهو الأقوى عندي- أن ليس في الآية تمني موت -وإنما عدد يوسف عليه السلام نعم الله عنده ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي عمره أي {توفني}- إذا حان أجلي -على الإسلام، واجعل لحاقي بالصالحين، وإنما تمنى الموافاة على الإسلام لا الموت...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في الآية مسائل:...

المسألة الرابعة: لقائل أن يقول: الأنبياء عليهم السلام يعلمون أنهم يموتون لا محالة على الإسلام، فكان هذا الدعاء حاصله طلب تحصيل الحاصل وأنه لا يجوز. والجواب: أحسن ما قيل فيه أن كمال حال المسلم أن يستسلم لحكم الله تعالى على وجه يستقر قلبه على ذلك الإسلام ويرضى بقضاء الله وقدره، ويكون مطمئن النفس منشرح الصدر منفسح القلب في هذا الباب، وهذه الحالة زائدة على الإسلام الذي هو ضد الكفر، فالمطلوب ههنا هو الإسلام بهذا المعنى. المسألة الخامسة: أن يوسف عليه السلام كان من أكابر الأنبياء عليهم السلام، والصلاح أول درجات المؤمنين، فالواصل إلى الغاية كيف يليق به أن يطلب البداية، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من المفسرين: يعني بآبائه إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب، والمعنى: ألحقني بهم في ثوابهم ومراتبهم ودرجاتهم...

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

جمعت هذه الدعوة الإقرار بالتوحيد والاستسلام للرب وإظهار الافتقار إليه، والبراءة من موالاة غيره سبحانه، وكون الوفاة على الإسلام أجل غايات العبد، وأن ذلك بيد الله لا بيد العبد، والاعتراف بالمعاد وطلب مرافقة السعداء...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف، عليه السلام، قاله عند احتضاره... ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله، وانقضى عمره؛ لا أنه سأل ذلك منجزا، كما يقول الداعي لغيره:"أماتك الله على الإسلام". ويقول الداعي: "اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين"...

ويحتمل أنه سأل ذلك منجزًا، وكان ذلك سائغا في ملتهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وقبل أن يسدل الستار على المشهد الأخير المثير، نشهد يوسف ينزع نفسه من اللقاء والعناق والفرحة والابتهاج والجاه والسلطان، والرغد والأمان... ليتجه إلى ربه في تسبيح الشاكر الذاكر! كل دعوته -وهو في أبهة السلطان، وفي فرحة تحقيق الأحلام- أن يتوفاه ربه مسلما وأن يلحقه بالصالحين: (رب قد آتيتني من الملك، وعلمتني من تأويل الأحاديث. فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة. توفني مسلما وألحقني بالصالحين).. (رب قد آتيتني من الملك).. آتيتني منه سلطانه ومكانه وجاهه وماله. فذلك من نعمة الدنيا. (وعلمتني من تأويل الأحاديث).. بإدراك مآلاتها وتعبير رؤاها. فذلك من نعمة العلم. نعمتك يا ربي أذكرها وأعددها.. (فاطر السماوات والأرض).. بكلمتك خلقتها وبيدك أمرها، ولك القدرة عليها وعلى أهلها.. (أنت وليي في الدنيا والآخرة).. فأنت الناصر والمعين.. رب تلك نعمتك. وهذه قدرتك. رب إني لا أسألك سلطانا ولا صحة ولا مالا. رب إني أسألك ما هو أبقى وأغنى: (توفني مسلما وألحقني بالصالحين).. وهكذا يتوارى الجاه والسلطان، وتتوارى فرحة اللقاء واجتماع الأهل و لمة الإخوان. ويبدو المشهد الأخير مشهد عبد فرد يبتهل إلى ربه أن يحفظ له إسلامه حتى يتوفاه إليه، وأن يلحقه بالصالحين بين يديه. إنه النجاح المطلق في الامتحان الأخير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

أعقب ذكر نعمة الله عليه بتوجهه إلى مناجاة ربه بالاعتراف بأعظم نعم الدنيا والنعمة العظمى في الآخرة، فذكر ثلاث نعم: اثنتان دنيويتان وهما: نعمة الولاية على الأرض ونعمة العلم، والثالثة: أخروية وهي نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام وجعل الذي أوتيه بعضاً من الملك ومن التأويل لأن ما أوتيه بعض من جنس الملك وبعض من التأويل إشعاراً بأن ذلك في جانب مُلك الله وفي جانب علمه شيء قليل. وعلى هذا يكون المراد بالمُلك التصرف العظيم الشبيه بتصرف المَلِك إذ كان يوسف عليه السلام هو الذي يُسير المَلك برأيه. ويجوز أن يراد بالمُلك حقيقته ويكون التبعيض حقيقياً، أي آتيتني بعض المُلك لأن المُلك مجموع تصرفات في أمر الرعية، وكان ليوسف عليه السلام من ذلك الحظُّ الأوفر، وكذلك تأويل الأحاديث. وتقدم معنى تأويل الأحاديث عند قوله تعالى: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} [يوسف: 6] في هذه السورة. و {فاطر السماوات والأرض} نداء محذوف حرف ندائه. والفاطر: الخالق. وتقدم عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض} في سورة الأنعام (14). والولي: الناصر، وتقدم عند قوله تعالى: {قل أغير الله أتخذ ولياً} في سورة الأنعام. وجملة {أنت وليي في الدنيا والآخرة} من قبيل الخبر في إنشاء الدعاء وإن أمكن حمله على الإخبار بالنسبة لولاية الدنيا، قيل لإثباته ذلك الشيء لولاية الآخرة. فالمعنى: كن وليي في الدنيا والآخرة. وأشار بقوله: {توفني مسلما} إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق، فإن طلب توفّيه على الدين الحق يقتضي أنه متصف بالدين الحق المعبر عنه بالإسلام من الآن، فهو يسأل الدوام عليه إلى الوفاة. والمسلم: الذي اتصف بالإسلام، وهو الدين الكامل، وهو ما تعبّدَ اللّهَ به الأنبياء والرسل عليهم السلام. وقد تقدم عند قوله تعالى: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} في سورة آل عمران (102). والإلحاق: حقيقته جعل الشيء لاَ حقاً، أي مُدركاً من سبقه في السّيْر. وأطلق هنا مجازاً على المَزيد في عداد قوم. والصالحون: المتصفون بالصلاح، وهو التزام الطاعة. وأراد بهم الأنبياء. فإن كان يوسف عليه السلام يومئذٍ نبيئاً فدعاؤهُ لطلب الدوام على ذلك، وإن كان نُبّىء فيما بعد فهو دعاء لحصوله، وقد صار نبيئاً بعد ورسولاً...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم أول آية في هذا الربع هي آخر آية وردت في موضوع قصة يوسف بالذات، وهي تشير إلى الأثر العميق الذي تركه في نفس يوسف جمع شمله مع أبويه وإخوته، وتوذن ببالغ شكره لله على سابغ نعمته، واعتماده المطلق على رعايته وولايته: {رب قد آتيتني من الملك} في هذا إشارة إلى ولايته لمنصب العزيز لدى ملك مصر، وما أدركه من السلطة والنفوذ فيها بحكم ذلك المنصب. {وعلمتني من تأويل الأحاديث} في هذا إشارة إلى ما أكرمه الله به من نفاذ البصيرة، وصدق الفراسة، مما ظهر أثره في تعبيره رؤيا ملك مصر، وتعبير رؤيا صاحبيه في السجن، وتأويل رؤياه نفسه التي جاءت مثل فلق الصبح. {فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة} هذه مناجاة من يوسف لربه، وتضرع بين يديه، وتوكل عليه. {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} هذا دعاء من يوسف إلى الله بحسن الخاتمة والموت على الإسلام، واللحاق بالصالحين في دار السلام، حتى يتم الله عليه نعمته في الآخرة كما أتمها عليه في الدنيا. وكلمة {الصالحين} متى وردت في الذكر الحكيم فالمراد بها كل مؤمن أدى ما عليه من حقوق الله وحقوق العباد، من أي جيل كان، قديما أو حديثا، ولو كان مجهول القبة مجهول التاريخ، لا قبة عليه ولا ضريح، فالعبرة في هذا اللقب لقب "الصلاح "و {الصالحين} إنما هي بمجرد العمل الصالح المقبول عند الله، لا بما سواه. وقوله تعالى هنا حكاية عن يوسف عليه السلام {توفني مسلما} لا يلزم أن يكون سؤالا ناجزا للموت وتمنيا لها في الحين، كما فهمه بعض المفسرين، وإنما هو من باب الدعاء المعتاد كقول الداعي: {اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين}. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤال الموت وتمنيها. روي في الصحيحين وفي مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، إما محسنا فيزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب –أي يسترضي ربه ويتوب- ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي).

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

مناجاة يوسف (عليه السلام): وهكذا انفصل يوسف عن الجوّ الذي يحيط به، واستغرقت روحه في مناجاة لله، تنسى كل الناس وتغيب عن كامل أجوائهم، لتعيش الحضور مع الله في كل شيء، فبينما هو يخاطب أباه، إذا به ينسى ذلك ليخاطب الله سبحانه: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْكِ} في ما مكنتني من الوسائل الكثيرة التي قفزت بي إلى مواقع الحكم والسيطرة على مقاليد حياة الناس، {وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} وما استطعت به أن أفتح الحياة على مواقع الخير في الإنسان، وأدفع الإنسان إلى البحث عن الحقيقة في كل جوانب ذاته وحركة كيانه، {فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرضِ} وخالقهما على أساس القدرة والحكمة، فكل شيءٍ فيهما مخلوقٌ لك، وكل مخلوق بينهما عبدٌ لك، وكل حركةٍ في داخلهما وخارجهما، خاضعةٌ لقدرتك...

{أَنتَ وَلِيِّ فِي الدُّنُيَا وَالآخرةِ} بما تملكه من ولاية الخلق والقدرة والنعمة واللطف والرحمة، فمنك أستمد سعادتي وهنائي في ما تتفضّل به عليّ من غفران ذنوبي وإدخالي الجنة التي وعدت بها عبادك المتقين، ولم تبخل بها على عبادك الخاطئين التائبين، الذين يتضرّعون إليك بقلوب نادمة على ما فرط منهم في جنب الله، وهذا ما أريد أن أطلبه منك، وأعيشه بين يديك، في ما أستقبل به حياتي ومماتي، {تَوَفَّنِى مُسْلِمًا} واجعل ختام حياتي إسلاماً بالروح والقلب واللسان، كما كانت بداية حياتي كذلك، {وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} الذين آمنوا بك من موقع الصدق في الإيمان، وأصلحوا أعمالهم من موقع الإخلاص في العمل، وساروا على منهجك في الحياة، في ما يعملون به، ويطرحونه من قضايا، وأوضاع ومشاريع...