قالوا : فلمّا جمع الله ليوسف شمله وأقرّ له عينه وأتمّ له رؤياه ، وكان موسّعاً له في ملك الدنيا ونعيمها علم أنّ ذلك لا يدوم له وأن لابدّ له من فراقه فأراد نعيماً هو ( أدوم ) منه ، فاشتاقت نفسه إلى الجنّة فتمنى الموت ودعا ربّه ، ولم يتمنَّ نبي قبله ولا بعده الموت فقال : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ } يعني ملك مصر { وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ } يعني تعبير الرؤيا { فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } أي خالقها وبارئها .
{ أَنتَ وَلِيِّي } مُعيني { فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ } تتولّى أمري { تَوَفَّنِي } اقبضني إليك { مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } بآبائي النبيين .
قيل : فتوفّاه الله طيّباً طاهراً بمصر ، ودفن في النيل في صندوق رُخام ، وذلك أنّه لما مات تشاحّ الناس عليه كلٌّ يُحب أن يُدفن في محلّتهم لما يرجون من بركته ، فاجتمعوا على ذلك حتى همّوا بالقتال ، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث مفرق الماء بمصر فيمرّ الماء عليه ثمّ يصل الماء إلى جميع مصر ، فيكونوا كلّهم فيه شرعاً واحداً ففعلوا .
وروى صالح المرّي ، عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ، قال : إنّ الله عزّ وجل لمّا جمع ليعقوب شمله خلا ولده نجيّاً ، فقال بعضهم لبعض : أليس قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا : بلى ، قال : فإنْ أعَفَوا عنكم ولكن كيف لكم بربّكم ؟ ، فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جنب أبيه قاعد .
قالوا : يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله ، حتى حرّكوه ، والأنبياء ( عليهم السلام ) أرحم البريّة ، فقال : ما لكم يا بَنيَّ ؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منّا إليك ، وما كان منّا إلى أخينا يوسف ؟ قالا : بلى ، وقالوا : أفلستما قد عفوتما ، قالا : بلى ، قالوا : فإنّ عفوكما لا يغني عنّا إنْ كان الله لم يعفُ عنّا ، قال : فما تُريدون يا بَني ؟ قالوا : نُريد أن تدعو الله فإذا جاء الوحي من عند الله بأنّه قد عفا عنا صُنْعَنا قرّت أعيُننا واطمأنّت قلوبنا ، وإلاّ فلا قرّة عين لنا في الدنيا أبداً ، فقام الشيخ واستقبل القبلة وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلّة خاشعين ، فدعا يعقوب وأمّن يوسف فلم يجب فيهم عشرين سنة .
قال صالح المرّي : يخيفهم ، حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبرئيل على يعقوب فقال : إنّ الله تبارك وتعالى بعثني إليك أُبشّرك ، فإنّه قد أجاب دعوتك في وِلدك ، وإنّه قد عفا عمّا صنعوا ، فإنّه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوّة ، وذلك الذي ذكرت وقصصتُ عليك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.