تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (101)

وقوله تعالى : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي ) قال أبو بكر الأصم : ذكر ( من الملك ) لأنه لم يؤته كل الملك ، إذ كان فوقه ملك أكبر منه . لكن لا لهذا ذكر ( من الملك ) إذ معلوم أنه لم يؤت لأحد كل ملك الدنيا . قال الله تعالى : ( تؤت الملك من تشاء )[ آل عمران : 26 ] ويكون في وقت واحد ملوك .

وقال مقاتل : من صلة ؛ كأنه قال : ربي قد آتيتني الملك[ أدرج قبلها في الأصل وم : من ] .

لكن الوجه فيه ما ذكرنا .

وقوله تعالى : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً ) إلى آخر ما ذكر قدم [ على دعائه وسؤاله ][ في الأصل وم : دعاءه وسؤاله ] ربه ما سأل إحسانه إليه ومحامده وصنائعه ليكون ذلك له وسلية إلى ربه في الإجابة .

وفي ذلك دلالة نقض قول المعتزلة من وجهين :

أحدهما : يقولون إن كل أحد ، شفيعه عمله ، فيوسف لم يذكر ما كان منه أني فعلت كذا ، فافعل بي كذا ، ولكن ذكر نعم الله وإحسانه إليه .

والثاني : من قولهم : إنه لا يؤتي أحدا ملكا ولا نبوة إلا بعد الاستحقاق ، ومن قولهم : إن كل أحد ، هو المتعلم لا[ من م ، في الأصل : إلا ] أن الله يعلم أحدا . وقد أضاف يوسف التعليم إلى الله حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) وهم يقولون : لم يعلمه ، ولكن هو تعلم .

وقوله تعالى : ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) قال أهل التأويل : تعبير الرؤيا ، ولكن الأحاديث هي الأنباء ، والتأويل هو علم العاقبة ، وعلم ما يؤول إليه الأمر كأنه قال : علمتني مستقر الأنباء ونهايتها كقوله تعالى : ( لكل نبإ مستقر )[ الأنعام : 67 ] والله أعلم .

وقوله تعالى : ( فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) كأنه على النداء والدعاء ذكر ؛ يا فاطر السموات والأرض ، لذلك انتصب .

وقوله تعالى : ( أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) يشبه أن يكون تأويله : أنت ولي نعمتي في الدنيا والآخرة كما يقال : فلان ولي نعمة فلان ويحتمل : أنت أولى بي في الدنيا والآخرة ، أو أنت ربي وسيدي في الدنيا والآخرة .

وقوله تعالى : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) تمنى صلى الله عليه وسلم التوفي على الإسلام والإخلاص لله[ في الأصل وم : بالله ] والإلحاق بالصالحين . فهو ، والله أعلم بذلك ، أن الله قد أتاه النهاية في الشرف والمجد في الدنيا دينا ودنيا لأن نهاية الشرف في الدين ، هي النبوة والرسالة ، ونهاية الشرف في الدنيا الملك ، فأحب أن يكون له في الآخرة مثله ، فقال : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) .

ثم يحتمل سؤاله أن يلحقه بالصالحين بكل صالح ، ويحتمل أنه سأله أن يلحقه بالصالحين بآبائه وأجداده وبجميع الأنبياء والرسل .

وقوله تعالى : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) هو ينقض على المعتزلة أيضا لأن من[ في الأصل وم : و ] قولهم : أنه أعطى كل أحد ما به يكون مؤمنا حتى لم يبق عنده شيئا ، ومن سأل /258-ب/ آخر شيئا ، يعلم أنه ليس عنده ، فهو يهزأ به ، أو يكون كاتما[ في الأصل وم : كتمان ] النعمة ، وفي كتمان النعمة كفرانها .