قوله تعالى : { قل هل من شركائكم من يهدي } ، يرشد ، { إلى الحق } ، فإذا قالوا : لا - ولا بد لهم من ذلك – { قل الله يهدي للحق } ، أي إلى الحق . { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي } ، قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء ، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون : بتشديد الدال ، ثم قرأ أبو جعفر ، وقالون : بسكون الهاء ، وأبو عمرو بروم الهاء بين الفتح والسكون ، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء ، وأبو بكر بكسرهما ، والباقون بفتحهما ، ومعناه : يهتدي- في جميعها - فمن خفف الدال ، قال : يقال : هديته فهدى ، أي : اهتدى ، ومن شدد الدال أدغم التاء في الدال ، ثم أبو عمرو يروم عل مذهبه في إيثار التخفيف ، ومن سكن الهاء تركها على حالتها كما فعل في تعدوا و يخصمون ، ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء ، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، قوال الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن كسر الياء ، مع الهاء أتبع الكسرة الكسرة .
قوله تعالى : { إلا أن يهدى } ، معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى ؟ . فإن قيل : كيف قال : { إلا أن يهدى } ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من كانت إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام . وجواب آخر وهو : أن ذكر الهداية على وجه المجاز ، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل .
{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ْ } ببيانه وإرشاده ، أو بإلهامه وتوفيقه .
{ قُلِ اللَّهُ ْ } وحده { يَهْدِي لِلْحَقِّ ْ } بالأدلة والبراهين ، وبالإلهام والتوفيق ، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق .
{ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ْ } أي : لا يهتدي { إِلَّا أَنْ يُهْدَى ْ } لعدم علمه ، ولضلاله ، وهي شركاؤهم ، التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ْ } أي : أيّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل ، بصحة عبادة أحد مع الله ، بعد ظهور الحجة والبرهان ، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده .
فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصافا معنوية ، ولا أوصافا فعلية ، تقتضي أن تعبد مع الله ، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها ، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة ؟
فالجواب : أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان ، أقبح البهتان ، وأضل الضلال ، حتى اعتقد ذلك وألفه ، وظنه حقًا ، وهو لا شيء . ولهذا قال : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء
وقوله : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقّ } . حجة أخرى تدمغ جهلهم ، جيء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإِضلال ، عقب إقامة الأدلة على قدرته - سبحانه - على بدء الخلق وإعادتهم .
أى : قل لهم يا محمد - أيضا - على سبيل التهم من أفكارهم : هل من شركائكم من يستطيع أن يهدي غيره إلى الدين الحق ، فينزل كتاباً ، أو يرسل رسولا ، أو يشرع شريعة ، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون .
أو يحث العقول على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض . . . ؟
قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يعفل كل ذلك ، أما شركاؤكم فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك أو من غيره .
وقوله : { أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي . . . } توبيخ آخرلهم على جهالاتهم وغفلتهم عن إدراك الأمور الواضحة .
أى : قل لهم يا محمد : أفمن يهدي غيره إلى الحق وهو الله - تعالى - . أحق أن يتبع فيما يأمر به وينهى عنه ، أم من لا يستطيع أت يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره أحق بالاتباع ؟ لا شك أن الذي يهدي غيره إلى الحق أحق بالاتباع من الذي هو في حاجة إلى أن يهديه غيره .
وقوله : { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } استفهام قصد به التعجيب من أحوالهم التي تدعو إلى الدهشة والغرابة .
أى : ما الذي وقع لكم ، وما الذي أصابكم في عقولكم حتى صرتم تشركون في العبادة مع الله الخالق الهادي ، مخلوقات لا تهدي بنفسها وإنما هي في حاجة إلى من يخلقها ويهديها .
قال الإِمام الرازي : " واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولا ثم بالهداية ثانيا ، عادة مطردة في القرآن ، فقد حكى - سبحانه - عن إبراهيم أنه ذكر ذلك فقال : { الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } وعن موسى أنه قال : { رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } وأمر محمدا - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى . الذي خَلَقَ فسوى . والذي قَدَّرَ فهدى } وهو في الحقيقة دليل شريف ، لأن الإِنسان له جسد وله روح ، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق ، والاستدلال بأحوال الروح هوالهداية ، فها هنا أيضا لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى وهو قوله : { مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية .
وقوله : { أَمَّن لاَّ يهدي } ورد فيه ست قراءات ، منها قراءة يعقوب وحفص بكسر الهاء وتشديد الدال ، ومنها قراءة حمزة والكسائيل بالتخفيف كيرمي ، ومنها قراءة ابن كثير وابن عامر وورش عن نافع " يهدي " فتح الياء والهاء وتشديد الدال . .
والاستثناء في قوله : { أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى } مفرغ من أعم الأحوال .
والتقدير : أفمن يهدي إلى الحق أحق بالاتباع ، أم من لا يستطعي الهداية إلا أن يهديه إليها غيره أحق بالاتباع ؟
وجاء قوله - سبحانه - { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } باستفهامين متواليين ، زيادة في توبيخهم وتقريعهم ، ولفت أنظارهم إلى الحق الواضح الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم .
{ قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام والتوفيق للنظر والتدبر ، وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدي بها ما أسند إلى الله تعالى . { قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتّبع أمّن لا يهدي إلاّ أن يُهدى } أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم : هدي بنفسه إذا اهتدى ، أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير ، وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر " يَهدِّي " بفتح الهاء وتشديد الدال . ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين . وروى أبو بكر " يهدي " باتباع الياء الهاء . وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك . وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ { إلا أن يهدي } للمبالغة { فما لكم كيف تحكمون } بما يقتضي صريح العقل بطلانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.