لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

{ قل } أي قل يا محمد { هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } يعني هل من هذه الأصنام من يقدر علي أن يرشد إلى الحق فإذا قالوا لا ولا بد لهم من ذل { قل } أي قل لهم أنت يا محمد { الله يهدي للحق } يعني أن الله هو الذي يرشد إلى الحق لا غيره { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى } يعني أن الله هو الذي يهدي إلى الحق فهو أحق بالاتباع لا هذه الأصنام التي لا تهتدي إلا أن تهدي .

فإن قلت : الأصنام جماد لا تتصور هدايتها ولا أن تهدي فكيف قال إلا أن يهدي .

قلت : ذكر العلماء عن هذا السؤال وجوهاً .

الأول : أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان فيكون المعنى أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا أن تحمل وتنقل ، فبين سبحانه وتعالى بها عجز الأصنام .

الوجه الثاني : أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم ووصفها بهذه الصفة وإن كان الأمر ليس كذلك .

الوجه الثالث : يحتمل أن يكون المراد من قوله هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الأصنام ، والمراد من قوله هل من شركائكم من يهدي إلى الحق رؤساء الكفر والضلالة فالله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين بما ظهر من الدلائل الدالة على وحدانيته وأما رؤساء الكفر والضلالة فإنهم لا يقدرون على هداية غيرهم إلا إذا هداهم الله إلى الحق فكان اتباع دين الله والتمسك بهدايته أولى من اتباع غيره .

وقوله سبحانه وتعالى : { فما لكم كيف تحكمون } قال الزجاج : فما لكم كلام تام كأنه قيل لهم : أي شيء لكم في عبادة هذه الأصنام . ثم قال : كيف تحكمون ؟ يعني : على أي حال تحكمون . وقيل : معناه كيف تقضون لأنفسكم بالجور حين تزعمون أن مع الله شريكاً وقيل معناه بئسما حكمتم إذ جعلتم لله شريكاً من ليس بيده منفعة ولا مضرة ولا هداية .