جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مّن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَىَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين هَلْ مِنْ شُركائِكم الذين تدعون من دون الله ، وذلك آلهتهم وأوثانهم ، مَنْ يَهْدِي إلى الحَقّ يقول : من يرشد ضالاّ من ضلالته إلى قصد السبيل ، ويسدّد جائزا عن الهدى إلى واضح الطريق المستقيم فإنهم لا يقدرون أن يدّعوا أن آلهتهم وأوثانهم ترشد ضالاّ أو تهدي حائرا . وذلك أنهم إن ادّعوا ذلك لها أكذبتهم المشاهدة وأبان عجزها عن ذلك الاختبار بالمعاينة ، فإذا قالوا لا وأقرّوا بذلك ، فقل لهم . فالله يهدي الضالّ عن الهدى إلى الحقّ . أفَمَنْ يَهْدِي أيها القوم ضالاّ إلى الحَقّ وجائرا عن الرشد إلى الرشد ، أحَقّ أنْ يُتّبَعَ إلى ما يدعو إليه أمْ مَنْ لا يَهْدِي إلاّ أنْ يُهْدَىَ ؟

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «أمْ مَنْ لا يَهْدّي » بتسكين الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين . وكأن الذي دعاهم إلى ذلك أنهم وجهوا أصل الكلمة إلى أنه : أم مَن لا يهتدي ، ووجدوه في خطّ المصحف بغير ما قرروا وأن التاء حذفت لما أدغمت في الدال ، فأقرّوا الهاء ساكنة على أصلها الذي كانت عليه ، وشدّدوا الدال طلبا لإدغام التاء فيها ، فاجتمع بذلك سكون الهاء والدال . وكذلك فعلوا في قوله : «وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدّوا في السّبْتِ » وفي قوله : يخَصّمونَ . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والشام والبصرة : «يَهَدّي » بفتح الهاء وتشديد الدال . وأمّوا ما أمّه المدنيون من الكلمة ، غير أنهم نقلوا حركة التاء من «يهتدي » إلى الهاء الساكنة ، فحرّكوا بحركتها وأدغموا التاء في الدال فشدّدوها . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : يَهِدّي بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، بنحو ما قصده قرّاء أهل المدينة غير أنه كسر الهاء لكسرة الدال من «يهتدي » استثقالاً للفتحة بعدها كسرة في حرف واحد . وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الكوفيين : «أمْ مَنْ لا يَهْدِي » بتسكين الهاء وتخفيف الدال ، وقالوا : إن العرب تقول : هديت بمعنى اهتديت ، قالوا : فمعنى قوله : أم مَنْ لا يَهْدِي : أم من لا يهتدي إلاّ أنْ يُهْدَى .

وأولى القراءة في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : «أمْ مَنْ لا يَهَدّي » بفتح الهاء وتشديد الدال ، لما وصفنا من العلة لقارىء ذلك كذلك ، وأن ذلك لا يدفع صحته ذو علم بكلام العرب وفيهم المنكر غيره ، وأحقّ الكلام أن يقرأ بأفصح اللغات التي نزل بها كلام الله تبارك وتعالى .

فتأويل الكلام إذا : أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتبع ، أم من لا يهتدي إلى شيء إلا أن يُهْدَى .

وكان بعض أهل التأويل يزعم أن معنى ذلك : أم من لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلا أن ينقل .

وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : «أفمَنْ يَهْدِي إلى الحَقّ أحَقّ أنْ يُتّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهِدّي إلاّ أنْ يُهْدَىَ » قال : الأوثان ، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لما شاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : «أمّنْ لا يهَدّي إلاّ أنْ يُهْدَىَ » قال : قال : الوثن .

وقوله : فمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ألا تعلمون أن من يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتبع من الذي لا يهتدي إلى شيء إلا أن يهديه إليه هاد غيره ، فتتركوا اتباع من لا يهتدي إلى شيء وعبادته وتتبعوا من يهديكم في ظلمات البرّ والبحر وتخلصوا له العبادة فتفردوه بها وحده دون ما تشركونه فيها من آلهتكم وأوثانكم ؟