غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

31

الحجة الثالثة { قل هل من شركائكم من يهدي } الآية . الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أوّلاً ثم بالهداية عادة مطردة في القرآن ، فحكى عن الخليل صلى الله عليه وسلم { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] وعن موسى { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 5 ] وأمر محمداً صلى الله عليه وسلم { سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى } [ الأعلى : 1 - 3 ] والسر فيه أن المقصود من خلق الجسد حصول الهداية للروح وارتسام العلوم والمعارف فيه بإرشاد الحق سبحانه من الطرق المنحرفة كثيرة والظنون والأغاليط غير محصورة ، فتحصيل الوسط الحقيقي لا يمكن إلا بتوفيقه وهدايته ، ولا مدخل في ذلك بالاستقلال لملك أو إنسي أو جني فضلاً عن الأصنام التي هي في أدنى مراتب الوجود لأنها جمادات لا شعور لها هذا تقرير الحجة الثالثة . وقال الزجاج : يقال : هديت للحق وإلى الحق بمعنى ، فجمع بين العبارتين . ويقال : هدى بنفسه بمعنى اهتدى كما يقال شرى بمعنى اشترى ومنه قوله : { أمن لا يهدي } وسائر القراءات أصلها «يهتدي » فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين ، وقد كسرت الياء لاتباع ما بعدها . قيل : هذه الشركاء جمادات فكيف قال في حقها { إلا أن يهدى } وأجيب بوجوه منها : أن المراد في الآية رؤساؤهم وأشرافهم كقوله : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً } [ التوبة : 31 ] والمراد أن الله سبحانه هو الذي يهدي الخلق إلى الدين الحق بالدلائل النقلية وبما يمكنهم منه من الدلائل العقلية ، وأما هؤلاء الدعاة والرؤساء فإنهم لا يقدرون على أن يهدوا غيرهم إلا إذا هداهم الله . ومنها أنهم لما اتخذوها آلهة وصفهم الله تعالى بصفة من يعقل كقوله : { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم } [ فاطر : 14 ] ومنها أن ذلك بالفرض والتقدير يعني أنها لو كانت بحيث يمكنها أن تهتدي فإنها لا تهدي غيرها إلا أن تهدى . ومنها أن البنية عندنا ليست بشرط في صحة الحياة والعقل فيصح من الله تعالى أن يجعلها حية عاقلة ، ثم إنها تشتغل بهداية الغير ، ومنها أن المراد من الهدي النقل والحركة يقال : هديت المرأة زوجها أي نقلت إليه ، فالمعنى لا ينتقل إلى مكان إلا إذا نقل إليه . ثم عجب من مذهبهم الفاسد باستفهامين متواليين فقال : { فما لكم كيف تحكمون } .