الحجة الثالثة { قل هل من شركائكم من يهدي } الآية . الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أوّلاً ثم بالهداية عادة مطردة في القرآن ، فحكى عن الخليل صلى الله عليه وسلم { الذي خلقني فهو يهدين } [ الشعراء : 78 ] وعن موسى { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } [ طه : 5 ] وأمر محمداً صلى الله عليه وسلم { سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى } [ الأعلى : 1 - 3 ] والسر فيه أن المقصود من خلق الجسد حصول الهداية للروح وارتسام العلوم والمعارف فيه بإرشاد الحق سبحانه من الطرق المنحرفة كثيرة والظنون والأغاليط غير محصورة ، فتحصيل الوسط الحقيقي لا يمكن إلا بتوفيقه وهدايته ، ولا مدخل في ذلك بالاستقلال لملك أو إنسي أو جني فضلاً عن الأصنام التي هي في أدنى مراتب الوجود لأنها جمادات لا شعور لها هذا تقرير الحجة الثالثة . وقال الزجاج : يقال : هديت للحق وإلى الحق بمعنى ، فجمع بين العبارتين . ويقال : هدى بنفسه بمعنى اهتدى كما يقال شرى بمعنى اشترى ومنه قوله : { أمن لا يهدي } وسائر القراءات أصلها «يهتدي » فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين ، وقد كسرت الياء لاتباع ما بعدها . قيل : هذه الشركاء جمادات فكيف قال في حقها { إلا أن يهدى } وأجيب بوجوه منها : أن المراد في الآية رؤساؤهم وأشرافهم كقوله : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً } [ التوبة : 31 ] والمراد أن الله سبحانه هو الذي يهدي الخلق إلى الدين الحق بالدلائل النقلية وبما يمكنهم منه من الدلائل العقلية ، وأما هؤلاء الدعاة والرؤساء فإنهم لا يقدرون على أن يهدوا غيرهم إلا إذا هداهم الله . ومنها أنهم لما اتخذوها آلهة وصفهم الله تعالى بصفة من يعقل كقوله : { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم } [ فاطر : 14 ] ومنها أن ذلك بالفرض والتقدير يعني أنها لو كانت بحيث يمكنها أن تهتدي فإنها لا تهدي غيرها إلا أن تهدى . ومنها أن البنية عندنا ليست بشرط في صحة الحياة والعقل فيصح من الله تعالى أن يجعلها حية عاقلة ، ثم إنها تشتغل بهداية الغير ، ومنها أن المراد من الهدي النقل والحركة يقال : هديت المرأة زوجها أي نقلت إليه ، فالمعنى لا ينتقل إلى مكان إلا إذا نقل إليه . ثم عجب من مذهبهم الفاسد باستفهامين متواليين فقال : { فما لكم كيف تحكمون } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.