التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

قوله : { قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق } وهذا احتجاج آخر على حقية التوحيد وبطلان الشرك ، وعلى أن هذه الأصنام الجوامد الصم لا تملك أن تهدي أحدا ، ولا تدري عن أمر الهداية والرسالات والكتب المنزلة شيئا . وهذه من صفات الإله وأعظم دلائل الألوهية . لا جرم أن الأصنام والأوثان وغير ذلك من الأرباب المزعومة أعظم ما تكون بعدا عن هذه الصفات .

قوله : قل الله يهدي للحق } هداية الناس للحق وتوفيقهم إلى الصواب من شأن الله وحده وليس من شأن الأصنام والأنداد المزعومة ، بل الله سبحانه إنما يهدي الحائرين والغافلين إلى صراطه المستقيم .

قوله : { أفمن يهدي إلى الحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدي } الاستفهام للتقرير وإلزامه الحجة . والفاء للترتيب الاستفهام على ما سبق . والمعنى : من أحلق بالاتباع ، من يهدي غيره للحق ، أم الذي { لا يهدي } ويهدي ، بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال . وأصله : يهتدي . وكسرت الهاء لالتقاء الساكنين{[1980]} أي الذي لا يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره .

وثمة قراءات أخرى للكلمة منها : يهدي ، بفتح الهاء وتشديد الدال ، ومنها : يهدي ، بسكون الهاء وتشديد الدال .

ومنها : يهدي ، بكسر الهاء والياء وتشديد الدال . وقرئت بغير ذلك .

قال الزمخشري في تأويل هذه الآية : إن الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم ، وبما لطف بهم ووفقهم وأولهمهم وأخطر ببالهم وقفهم على الشرائع ، فهل من شركائكم الذين جعلتهم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة والمسيح وعزيز يهدي إلى الحق مثل هداية الله ؟ ثم قال : أفمن يهدي إلى الحق هذه الهداية أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي ؛ أي لا يهدي بنفسه ، أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله{[1981]} ؟ .

قوله : { فما لكم كيف تحكمون } { فما لكم } ، استفهام للإنكار والتعجيب . و { كيف تحكمون } ، استفهام آخر ؛ أي كيف تتخذون هؤلاء الصم العمي البكم شركاء تعبدونهم من دون الله وأنتم تعلمون أنهم لا يملكون هداية أنفسهم فضلا عن عدم هداية غيرهم ؛ فكيف تحكمون بالباطل ؟ !


[1980]:الدار المصون جـ 6 ص 198.
[1981]:روح المعاني جـ 6 ص 113- 115 والبحر المحيط جـ 5 ص 156- 158 والكشاف جـ 2 ص 237 وفتح القدير جـ 2 ص 445 والبيان لابن الأنباري جـ 1 ص 412.