معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

قوله تعالى : { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } ، يعني : مكان البأساء والضراء ، الحسنة يعني : النعمة والسعة والخصب والصحة .

قوله تعالى : { حتى عفوا } ، أي كثروا وازدادوا ، أو كثروا أموالهم ، يقال : عفا الشعر إذا كثر ، قال مجاهد : كثرت أموالهم وأولادهم .

قوله تعالى : { وقالوا } ، من غرتهم وغفلتهم بعد ما صاروا إلى الرخاء .

قوله تعالى : { قد مس آباءنا الضراء والسراء } ، أي :هكذا كانت عادة الدهر قديماً لنا ولآبائنا ، ولم يكن ملمسنا من الضراء عقوبة من الله ، فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم ، فإنهم لم يتركوا دينهم لما أصابهم من الضراء .

قوله تعالى : { فأخذناهم بغتةً } ، فجأةً آمن ما كانوا .

قوله تعالى : { وهم لا يشعرون } بنزول العذاب .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

{ ثُمَّ ْ } إذا لم يفد فيهم ، واستمر استكبارهم ، وازداد طغيانهم .

{ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ْ } فَأدَرَّ عليهم الأرزاق ، وعافى أبدانهم ، ورفع عنهم البلاء { حَتَّى عَفَوْا ْ } أي : كثروا ، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة اللّه وفضله ، ونسوا ما مر عليهم من البلاء . { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ ْ } أي : هذه عادة جارية لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين ، تارة يكونون في سراء وتارة في ضراء ، وتارة في فرح ، ومرة في ترح ، على حسب تقلبات الزمان وتداول الأيام ، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير ، ولا للاستدراج والنكير حتى إذا اغتبطوا ، وفرحوا بما أوتوا ، وكانت الدنيا ، أسر ما كانت إليهم ، أخذناهم بالعذاب { بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ْ } أي : لا يخطر لهم الهلاك على بال ، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم اللّه ، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان ابتلائه للناس فقال : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة } المراد بالسيئة ما يسوء ويحزن كالشدائد والأمراض . وبالحسنة السعة والصحة وأنواع الخيرات .

أى : ثم بعد ان ابتلينا هؤلاء الغافلين بالبأساء والضراء رفعنا ذلك عنهم ، وابتليناهم بضده ، بأن أعطيناهم بدل المصائب نعما ، فإذا الرخاء ينزل بهم مكان الشدة ، واليسر مكان الحرج ، والعافية بدل الضر ، والذرية بدل العقم . والكثرة بدل القلة ، والأمن محل الخوف .

قال الآلوسى : وقوله : { ثُمَّ بَدَّلْنَا } معطوف على { أَخَذْنَا } داخل في حكمه ، وهو - أى بدلنا - متضمن معنى أعطى الناصب لمفعولين وهما هنا الضمير المحذوف والحسنة أى : أعطيناهم الحسنة في مكان السيئة ومعنى كونها في مكانها أنها بدل منها .

ويرى بعض العلماء أن لفظ { مَكَانَ } مفعول به لبدلنا وليس ظرفا ، والمعنى بدلنا مكان الحال السيئة الحال الحسنة ، فالحسنة هى المأخوذة الحاصلة في مكان السيئة المتروكة .

وقوله : { حتى عَفَوْاْ } أى : كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم . يقال : عفا النبات ، وعفا الشحم إذا كثر وتكاثف . وأعفيته . أى : تركته يعفو ويكثر ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " وأعفوا اللحى " أى : وفروها وكثروها .

فماذا كان موقفهم من ابتلاء الله إياهم بالشدائد تارة وبالنعم أخرى ؟ لقد كان موقفهم يدل على فساد فطرتهم ، وانحطاط نفوسهم ، وعدم اتعاظهم بما تجرى به الأقدار ، وبما بين أيديهم من سراء وضراء تحمل كل عاقل على التفكير والاعتبار .

استمع إلى القرآن وهو يصور موقفهم فيقول : { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضرآء والسرآء } .

أى : أنهم حينما رأوا ألوان الخيرات بين أيديهم بعد أن كانوا في بأساء وضراء ، لم يعتبروا ولم يشكروا الله على نعمه ، بل قالوا بغباء وجهل . قد مس آباءنا من قبلنا ما يسوء وما يسر ، وتناوبهم ما ينفع وما يضر ، ونحن مثلهم يصيبنا ما أصابهم ، وقد أخذنا دورنا من الضراء كما أخذوا ، وجاء دورنا في السراء فلنغنمها في إرواء شهواتنا . وإشباع متعنا ، فتلك عادة الزمان من أبنائه ولا داعى لأن ننظر إلى السراء والضراء على أنهما نوع من الابتلاء والاختبار .

وهذا شأن الغافلين الجاهلين في كل زمان ومكان ، إنهم لا يعتبرون بأى لون من ألوان العبر ، ولا يستشعرون في أنفسهم تحرجا من شىء يعملونه .

وإن قولهم هذا ليوحى بحالة نفسية خاصة " حالة عدم المبالاة والاستهتار " وهى حالة أكثر ما تكون مشاهدة في أهل الرخاء والجاه . فهم يسرفون ويبذرون بدون تحرج ، ويرتكبون كل كبيرة تقشعر لها الأبدان بدون اكتراث ، وتغشاهم العبر من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، ومع كل ذلك لا يعتبرون ولا يتعظون .

هذا شأنهم ، أما المؤمنون فإنهم ليسوا كذلك ، وإنما هم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " عجبا لأمر المؤمن : إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن اصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " .

ولم يترك القدر أولئك الغافلين بدون قصاص ، وإنما فاجأهم بالعقوبة التي تناسبهم ، قال - تعالى - : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } أى : فكان عاقبة بطرهم وأشرهم وغفلتهم أن أخذناهم بالعذاب فجأة ، من غير شعور منهم بذلك ، ولا خطور شىء من المكاره ببالهم ، لأنهم كانوا - لغبائهم - يظنون أنهم سيعيشون حياتهم في نعم الحياة ورغدها بدون محاسبة لهم على أعمالهم القبيحة ، وأقوالهم الذميمة .

فالجملة الكريمة تشير إلى أن أخذهم بالعقوبة كان أليما شديدا ، لأنهم فوجئوا بها مفاجأة بدون مقدمات .

وجملة { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } حال من المفعول به في { أَخَذْنَاهُمْ } مؤكدة لمعنى البغتة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

وتقدير الكلام : أنه ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا ، فما فعلوا شيئا من الذي أراد الله منهم ، فقلب الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه ؛ ولهذا قال : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ } أي : حولَّنا الحال من شدة إلى رخاء ، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية ، ومن فقر إلى غنى ، ليشكروا على ذلك ، فما فعلوا .

وقوله : { حَتَّى عَفَوْا } أي : كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم ، يقال : عفا الشيء إذا كثر ، { وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } يقول تعالى : ابتلاهم{[11976]} بهذا وهذا{[11977]} ليتضرعوا ويُنيبوا إلى الله ، فما نَجَع فيهم لا هذا ولا هذا ، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا{[11978]} بل قالوا : قد مسنا من البأساء والضراء ، ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الدهر ، وإنما هو الدهر تارات وتارات ، ولم يتفطنوا لأمر الله فيهم ، ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين . وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ، ويصبرون على الضراء ، كما ثبت في الصحيحين : " عجبًا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له ، وإن أصابته سَراء شكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضَرَّاء صَبَر فكان خيرا له " {[11979]} فالمؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من السراء والضراء{[11980]} ؛ ولهذا جاء في الحديث : " لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نَقِيِّا{[11981]} من ذنوبه ، والمنافق مثله كمثل الحمار ، لا يدري فيم ربطه أهله ، ولا فيم أرسلوه " ، أو كما قال . ولهذا عقب هذه الصفة بقوله : { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } أي : أخذناهم بالعقوبة بغتة ، أي : على بغتة منهم ، وعدم شعور منهم ، أي : أخذناهم فجأة{[11982]} كما جاء في الحديث : " موت الفجأة رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر " . {[11983]}


[11976]:في د: "ابتليناهم".
[11977]:في أ: "بهذا وبهذا".
[11978]:في م: "ولا هذا".
[11979]:صحيح مسلم برقم (2999) من حديث صهيب بن سنان، رضي الله عنه، ولم أجده في صحيح البخاري بهذا اللفظ.
[11980]:في ك، م: "من الضراء والسراء".
[11981]:في ك، "حتى يخرج من الدنيا نقيا".
[11982]:في ك: "بغتة".
[11983]:جاء من حديث عائشة وعبيد بن خالد السلمي وأنس بن مالك، رضي الله عنه.فأما حديث عائشة: فأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (1207) "مجمع البحرين"، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/894) من طريق صالح بن موسى، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن عائشة بلفظ: "موت الفجأة تخفيف على المؤمن وسخط على الكافر" وفيه صالح بن موسى وهو متروك.وأما حديث عبيد بن خالد: فرواه أحمد في المسند (3/424) وأبو داود في السنن برقم (3110) من طريق شعبة، عن منصور، عن تميم بن سلمة أو سعد بن عبيدة، عن عبيد بن خالد بلفظ: "موت الفجأة أخذة أسف"وأما حديث أنس: فرواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/893) من طريق محمد بن مقاتل، عن جعفر بن هارون، عن سمعان ابن المهدي، عن أنس بلفظ: "موت الفجأة رحمة للمؤمنين وعذاب للكافرين" قال ابن الجوزي: "سمعان مجهول منكر الحديث".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

ثم قال تعالى أنه بعد إنفاذ الحكم في الأولين بدل للخلق مكان السيئة وهي «الباساء » و «الضراء » الحسنة وهي «السراء » والنعمة ، وهذا بحسب ما عند الناس ، وإلا فقد يجيء الأمر كما قال الشاعر : [ البسيط ]

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت*** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

قال القاضي أبو محمد : وهذا إنما يصح مع النظر إلى الدار الآخرة والجزاء فيها ، والنعمة المطلقة هي التي لا عقوبة فيها : والبلوى المطلقة هي التي لا ثواب عليها ، و { حتى عفواً } معناه : حتى كثروا يقال عفا النبات والريش «يعفو » إذا كثر نباته ، ومن هذا المعنى قول الشاعر : [ الوافر ]

ولكنها يعضُّ السيف منها*** بأسوق عافيات الشحم كوم

وعليه قوله صلى الله عليه وسلم «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى » وعفا أيضاً في اللغة بمعنى درس وبلى فقال بعض الناس هي من الألفاظ التي تسعتمل للضدين ، أما قول زهير :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** على آثار من ذهب العفاء

فيحتمل ثلاثة معانٍ الدعاء بالدرس ، والإخبار به ، والدعاء بنمو والنبات ، كما يقال جادته الديم وسقته العهاد ولما بدل الله حالهم بالخير لطفاً بهم فنموا رأى الخلق بعد ذلك للكفر الذي هم فيه أن إصابة { الضراء والسراء } إنما هي بالاتفاق ، وليست بقصد كما يخبر النبي ، واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالاً ، أي قد أصاب هذا آباءنا فلا ينبغي لنا أن ننكره ، فأخبر الله تعالى أنه أخذ هذه الطوائف التي هذا معتقدها ، وقوله { بغتة } أي فجأة وأخذة أسف وبطشاً للشقاء السابق لهم في قديم علمه ، و { السراء } السرور والحبرة ، { وهم لا يشعرون } معناه وهم مكذبون بالعذاب لا يتحسسون لشيء منه ولا يستشعرونه باستذلال وغيره .