إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

{ ثُمَّ بَدَّلْنَا } عطفٌ على أخذنا داخلٌ في حكمه { مَكَانَ السيئة } التي أصابتهم للغاية المذكورةِ { الحسنة } أي أعطيناهم بدلَ ما كانوا فيه من البلاء والمحنةِ الرخاءَ والسعةَ كقوله تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } [ الأعراف ، الآية 168 ] { حتى عَفَواْ } أي كثُروا عَدداً وعُدداً من عفا النباتُ إذا كثر وتكاثف وأبطرتْهم النعمة { وَقَالُواْ } غيرَ واقفين على أن ما أصابهم من الأمرين ابتلاءٌ من الله سبحانه { قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضراء والسراء } كما مسّنا ذلك ، وما هو إلا من عادة الدهرِ يعاقِب في الناس بين الضراءِ والسراء من غير أن يكون هناك داعيةٌ تؤدي إليهما أو تِبعةٌ تترتب عليهما ، ولعل تأخيرَ السراءِ للإشعار بأنها تعقُب الضراءَ فلا ضيرَ فيها { فأخذناهم } إثرَ ذلك { بَغْتَةً } فجأةً أشدَّ الأخذِ وأفظعَه { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، بذلك ولا يُخطِرُ ببالهم شيئاً من المكاره كقوله تعالى : { حتى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ } [ الأنعام ، الآية 44 ] ، وليس المرادُ بالأخذ بغتةً إهلاكَهم طرفة عينٍ كإهلاك عادٍ وقومِ لوطٍ بل ما يعُمّه وما يمضي بين الأخذ وإتمام الإهلاكِ أياماً كدأب ثمود .