تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

الآية 95 وقوله تعالى : { ثم بدّلنا مكان السيئة الحسنة } وهو ما ذكر أهل التأويل : السعة والرخاء بعد الشدة والقحط وما حل بهم من البلايا { حتى عفوا } قيل : جمعوا ، وأكثروا أي كشف عنهم ذلك حتى كثروا . فعند ذلك أهلكهم بغتة ؛ لأن الهلاك في حال الشدة والبلاء لا يكون أخذ بغتة ؛ لأن كل من حل به بلاء وشدة يخاف فيه الهلاك ، فإذا أهلك في تلك الحال لم يكن أخذه بالهلاك بغتة .

ألا ترى أنه سمّى الموت الذي يموت المرء من غير مرض حل به ، موت فجاءة ؟ والذي يمرض يتقدم الموت لأذان الموت في الوجهين جميعا ، لا يعلم بحلوله . لكنه إذا لم يتقدم مرض فهو لا يخاف منه . فإذا كان به مرض خاف به ، فلم يكن فجاءة . فعلى ذلك إذا أخذوا في حال الشدة لم يكن أخذا بالبغتة لما يخافون فيه الهلاك . وإذا كانوا في سعة ورخاء لا يخافون ، فيؤخذون في تلك الحال ، فذلك أخذ ببغتة .

وقوله{[8708]}تعالى : { حتى عفوا } قيل : كان أهلك بعضهم ، وترك بعضا { حتى عفوا } أي كثروا من ذلك البغض . ولكن الوجه فيه ما ذكرنا من البأساء والضّراء والشدائد والقحط . ثم كشف ذلك عنهم ، فكثروا ، ثم أهلكهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وقالوا قد مسّ آباءنا الضّراء والسّراء } قالوا : إن آباءنا قد كان ينزل ذلك بهم ، ويصيبهم مرة شدة ومرة نعمة ، فلم يكن ذلك بعقوبة لهم . فعلى ذلك ما يصيبنا من الشدائد والبلايا ، ليس ذلك بعقوبة لنا ، ولكن دوران الدهر وتصرّفه على الشدة والبلاء مرة ومرة على الخصب والسعة . ثم أخبر أنه أخذهم بغتة بعد قولهم : { قد مسّ آباءنا الضّراء والسّراء } .


[8708]:في الأصل وم: وقال.