فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

قوله : { ثُمَّ بَدَّلْنَا } معطوف على { أخذنا } أي ثم بعد الأخذ لأهل القرى بدّلناهم { مَكَانَ السيئة } التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان { الحسنة } أي الخصلة الحسنة ، فصاروا في خير وسعة وأمن { حتى عَفَواْ } يقال عفا كثر ، وعفا درس ، فهو من أسماء الأضداد ، والمراد هنا : أنهم كثروا في أنفسهم وفي أموالهم ، أي أعطيناهم الحسنة مكان السيئة ، حتى كثروا { وقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضراء والسراء } أي قالوا هذه المقالة عند أن صاروا في الحسنة بعد السيئة ، أي أن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء ، ثم من الرخاء والخصب من بعد ، هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله . فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ، ومن النعمة والخير ما نلناه ، ومعناهم : أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف ، وأن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم ، واختبارا لما عندهم ، وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوّهم ما لا يخفى ، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم فقال : { فأخذناهم بَغْتَةً } أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال «و » الحال أن { هُمْ لا يَشْعُرُونَ } بذلك ولا يترقبونه .

/خ100