فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

{ ثم } أي بعد الأخذ لأهل القرى { بدلنا } هم { مكان السيئة } التي أصبناهم بها من البلاء والامتحان الخصلة { الحسنة } فصاروا في خير وسعة وأمن وصحة ، وقال ابن عباس أي مكان الشدة الرخاء قال أهل اللغة السيئة كل ما يسوء صاحبه ، والحسنة كل ما يستحسنه الطبع والعقل ، فأخبر الله في هذه الآية بأنه يؤاخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج .

{ حتى عفوا } يقال عفا النبات إذا كثر وتكاثف ومنه إعفاء اللحى ، واللحى بالضم والكسر كما في كتاب العين ، وعفا درس فهو من الأضداد والمراد هنا أنهم كثروا عددا وعددا .

{ وقالوا } عند أن صاروا في الرخاء بعد الشدة { قد مس آبائنا الضراء والسراء } أي إن هذا الذي مسنا من البأساء والضراء ثم من الرخاء والخصب من بعد هو أمر وقع لآبائنا قبلنا مثله ، فمسهم من البأساء والضراء ما مسنا ومن النعمة والخير ما نلناه ، ومرادهم أن هذه العادة الجارية في السلف والخلف ، وإن ذلك ليس من الله سبحانه ابتلاء لهم واختبارا لما عندهم .

وفي هذا من شدة عنادهم وقوة تمردهم وعتوهم ما لا يخفى ، ولهذا عاجلهم الله بالعقوبة ولم يمهلهم كما قال { فأخذتهم بغتة } أي فجأة عقب أن قالوا هذه المقالة من دون تراخ ولا إمهال ليكون ذلك أعظم لحسرتهم ، والمراد من ذكر هذه القصة أن يعتبر من سمعها فينزجر { وهم لا يشعرون } بذلك العذاب النازل بهم ولا يترقبونه .