نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

ولما لم يتضرعوا صادقين من قلوبهم معترفين بالحق لأهله كما يحق له ، استدرجهم{[32793]} بإدرار النعم ، فقال مشيراً إلى طول مدة الابتلاء واستبعادهم لكشف ذلك البلاء : { ثم بدلنا } ومظهر العظمة يؤيد الاحتمال الثاني { مكان } أي جعلنا { السيئة } أي النقمة { الحسنة } أي النعمة ، وبين أنه مد النعمة بقوله : { حتى عفوا } أي كثروا وكثرت نعمهم فلم يشكروا { وقالوا } مسندين الأمر إلى غير أهله { قد مس آباءنا الضراء } أي الشدة { والسراء } أي الرخاء والنعمة ، معتقدين أن هذه عادة الدهر لا فعل الفاعل المختار .

ولما لم يعتبروا ويعلموا أن ذلك ممن يحب{[32794]} أن لا يعدل عن بابه ولا يغفل عن جنابه ، وظنوا أن ذلك دأب الدهر وفعل الزمان ، واستمروا على فسادهم في حال الشدة والرخاء ، سبب عنه قوله : { فأخذناهم } أي بعظمتنا أشد الأخذ وأفظعه في الظاهر والباطن { بغتة } أي فجأة حتى لا ينفعهم{[32795]} التوبة ، وأكد معنى البغت تحقيقاً لأمره بقوله : { وهم لا يشعرون* } فحق من سمع هذا أن يبادر إلى الرجوع عن كل مخالفة فيها خوفاً من الأخذ بغتة .


[32793]:-في ظ: استدراجهم.
[32794]:- من ظ، وفي الأصل: تحب.
[32795]:- في ظ: لا تنفعهم.