محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ثُمَّ بَدَّلۡنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلۡحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدۡ مَسَّ ءَابَآءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذۡنَٰهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (95)

[ 95 ] { ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ( 95 ) } .

{ ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة } أي أعطيناهم- بدل ما كانوا فيه من البلاء ، كالشدة والمرض- السعة والصحة { حتى عفوا } أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم . من قولهم : عفا النبات ، وعفا الشحم والوبر ، إذ كثرت . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم{[4165]} : " وأعفوا اللحى " { وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء } يعني وأبطرتهم النعمة وأشِروا ، / فقالوا كفرانا لها : هذه عادة الدهر . يعاقب في الناس بين الضراء والسراء ، وقد مس آباءنا نحو ذلك فصبروا على دينهم ، فنحن مثلهم ، نقتدي بهم ، وما هو بابتلاء من الله لبعاده ، تصديقا لوعد الرسل ، فازدادوا كفرا بعد الإعلام القوليّ والفعليّ . والمعنى : أن الله تعالى ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه ، فما فعلوا . ثم بالحسنة ليشكروا ، فما فعلوا . وإذا لم ينجع فيهم هذا ولا ذاك ، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب ، وقد فعل . كما قال سبحانه : { فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون } أي فأخذناهم أشد الأخذ وأفظعه ، وهو أخذهم فجأة ، من غير شعور منهم ، ولا خطور شيء من المكاره ببالهم ، كقوله تعالى : { حتى إذا فرحوا بما أوتوا . . . } {[4166]} الآية- وفي الحديث{[4167]} : " موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذه أسف للفاجر " رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة . مرفوعا .

تنبيه :

اعتقاد أن مناوبة الضراء والسراء عادة الدهر ، من غير أن يكون هناك داعية تؤدي إليها ، ولا حكمة فيهما ، هو من اعتقاد الكافرين .

قال ابن كثير : المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء ، فيشكر الله على السراء ، ويصبر على الضراء . ولهذا جاء في الحديث{[4168]} : " لا يزال البلاء بالؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه . والمنافق مثله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله ، ولا فيم أرسلوه " - أو كما قال- .

وفي ( الصحيحين ) {[4169]} : " عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر ، فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . .


[4165]:- أخرجه مسلم في: 2- كتاب الطهارة، حديث رقم 52 (طبعتنا). والبخاري في: 77/ كتاب اللباس، 65- باب إعفاء اللحى، حديث رقم 2292.
[4166]:- [6/ الأنعام/ 44].
[4167]:- أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة 136 من الجزء السادس (طبعة الحلبي).
[4168]:- لم أعثر على هذا النص فيما بين يديّ من المصادر.
[4169]:- أخرجه مسلم في: 35- كتاب الزهد والرقائق، حديث 64- (طبعتنا) ولم يخرجه البخاري.