معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

قوله تعالى : { يسألونك ماذا ينفقون } . وفي قوله " ماذا " وجهان من الإعراب . أحدهما أن يكون محله نصباً بقوله ( ينفقون ) تقديره : " أي شيء ينفقون " والآخر . أن يكون رفعاً بما ، ومعناه " ما الذي ينفقون " .

قوله تعالى : { قل ما أنفقتم من خير } . أي من مال .

قوله تعالى : { فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم } . يجازيكم به . قال أهل التفسير : كان هذا قبل فرض الزكاة فنسخت بالزكاة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 215 ) .

أي : يسألونك عن النفقة ، وهذا يعم السؤال عن المنفق والمنفق عليه ، فأجابهم عنهما فقال : ( قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ) أي : مال قليل أو كثير ، فأولى الناس به وأحقهم بالتقديم ، أعظمهم حقا عليك ، وهم الوالدان الواجب برهما ، والمحرم عقوقهما ، ومن أعظم برهما ، النفقة عليهما ، ومن أعظم العقوق ، ترك الإنفاق عليهما ، ولهذا كانت النفقة عليهما واجبة ، على الولد الموسر ، ومن بعد الوالدين الأقربون ، على اختلاف طبقاتهم ، الأقرب فالأقرب ، على حسب القرب والحاجة ، فالإنفاق عليهم صدقة وصلة ، ( وَالْيَتَامَى ) وهم الصغار الذين لا كاسب لهم ، فهم في مظنة الحاجة لعدم قيامهم بمصالح أنفسهم ، وفقد الكاسب ، فوصى الله بهم العباد ، رحمة منه بهم ولطفا ، ( وَالْمَسَاكِينِ ) وهم أهل الحاجات ، وأرباب الضرورات الذين أسكنتهم الحاجة ، فينفق عليهم ، لدفع حاجاتهم وإغنائهم .

( وَابْنَ السَّبِيلِ ) أي : الغريب المنقطع به في غير بلده ، فيعان على سفره بالنفقة ، التي توصله إلى مقصده .

ولما خصص الله تعالى هؤلاء الأصناف ، لشدة الحاجة ، عمم تعالى فقال : ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ) من صدقة على هؤلاء وغيرهم ، بل ومن جميع أنواع الطاعات والقربات ، لأنها تدخل في اسم الخير ، ( فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) فيجازيكم عليه ، ويحفظه لكم ، كل على حسب نيته وإخلاصه ، وكثرة نفقته وقلتها ، وشدة الحاجة إليها ، وعظم وقعها ونفعها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

ثم أرشد الله - تعالى - المؤمنين بعد ذلك إلى أن مما يعينهم على دفع الأذى وعلى دحر أعدائهم أن يبذلوا أموالهم في طاعة الله ، وأن يعدوا أنفسهم للقتال في سبيله فقال- تعالى- :

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ . . . }

قال الآلوسي : عن ابن جريج قالِ : سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم فأنزل الله - تعالى - قوله : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ } الآية . وعن ابن عباس قال : كان عمرو بن الجموع شيخاً كبيراً وعنده مال كثير فقال يا رسول الله : بماذا نتصدق ، وعلى من ننفق ؟ فنزلت الآية .

والمعنى : يسألك أصحابك يا محمد

أي شيء ينفقونه من أصناف الأموال ؟ قل لهم : ما أنفقتم من أموالكم فاجعلوه للوالدين قبل غيرهما ليكون أداء لحق تربيتهما ووفاء لبعض حقوقهما ، وللأقربين وفاء لحق القرابة والرحم ولليتامى لأنهم فقدوا الأب الحاني الذي يسد عوزهم ، المساكين لفقرهم واحتياجهم ، وابن السبيل لأنه كالفقير لغيبة ماله وانقطاعه عن بلده .

قال الإِمام الرازي : فهذا هو الترتيب الصحيح الذي رتبه الله - تعالى - في كيفية الإِنفاق ثم لما فصل هذا النفصيل الحسن الكامل أردفه بعد ذلك بالإِجمال فقال : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } أي : وكل ما فعلمتوه من خير إما مع هؤلاء المذكورين وإما مع غيرهم حسبة لله وطلبا لجزيل ثوابه وهربا من أليم عقابه فإن الله به عليم فيجازيكم أحسن الجزاء عليه . . . " .

وظاهر الآية - كما يقول الآلوسي - أن السؤال عن المنفق فأجاب بيان المصرف صريحاً ، لأنه أهم لأن اعتداد النفقة باعتباره . وأشار - سبحانه - إجمالا إلى بيان المنفق فإن قوله { مِنْ خَيْرٍ } يتضمن كونه حلالا إذ لا يسمى ما عداه خيرا ، وإنما تعرض لذلك - أي لبيان المنفق عليه - وليس في السؤال ما يقتضيه ، لأن السؤال للتعلم لا للجدل ، وحق المعلم فيه أن يكون كطيب رفيق يتحرى ما فيه الشفاء ، طلبه المريض أم لم يطلبه . ولما كانت حاجتهم إلى من ينفق عليه كحاجتهم إلى ما ينفق بين الأمرين ، ( وهذا كمن به صفراء فاستأذن طبيباً ، في أكل العسل فقال له : كله مع الخل ) . فالكلام إذا من أسلوب الحكيم . ويحتمل أن يكون في الكلام - أي في كلام السائلين - ذكر المصرف - أيضاً - كما في سؤال عمرو بن الجموع إلا أنه لم يذكره في الآية للإِيجاز في النظم تعويلا على الجواب ، فتكون الآية جوابا لأمرين مسئول عنهما . والاقتصار في بيان المنفق على الإِجمال من غير تعرض للتفصيل كما في بيان المصرف للإِشارة إلى كون الثاني أهم . وهل تخرج الآية بذلك عن كونها من أسلوب الحكيم أولا ؟ قولان أشهرهما الثاني " .

ولم يتعرض - سبحانه - هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى ، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله - قوله - تعالى - : في آخر الآية { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } فإنه شامل ككل خير واقع في أي مصرف كان .

قال الجمل و " ذا " اسم موصول بمعنى الذي والعئاد محذوف ، و " ما " على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك ، وهي مبتدأ وذا خبره ، والجملة محلها النصب بيسألون . والمعنى يسألونك أي الشيء الذي ينفقونه .

وقوله : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } تذييل قصد به الحض على فعل الخير ، لأن المؤمن عندما يشعر بأن الله يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه ، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير . وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عندما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل ، فكيف يكون الحال عندما يعلم المؤمن التقي أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو الله الذي لا يخفى عليه خافية ، والذي يعطي من يشاء بغير حساب .

قال بعض العلماء : وقد اختلف في هذه الآية . فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله - تعالى - : { إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ . . } وقيل - وهو الأولى - إنها غير منسوخة ، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

قال مُقَاتل بن حَيّان : هذه الآية في نفقة التطوّع . وقال السدي : نَسَختها الزكاة . وفيه نظر . ومعنى الآية : يسألونك كيف ينفقون ؟ قاله ابن عباس ومجاهد ، فبين لهم تعالى ذلك ، فقال : { قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } أي : اصرفُوها في هذه الوجوه . كما جاء في الحديث : " أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، ثم أدناك أدناك " . وتلا ميمون بن مِهْرَان هذه الآية ، ثم قال : هذه مواضع النفقة ما ذكر فيها طبلا ولا مزمارًا ، ولا تصاوير الخشب ، ولا كُسوة الحيطان .

ثم قال تعالى : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } أي : مهما صَدَرَ منكم من فعل معروف ، فإن الله يعلَمُه ، وسيجزيكم على ذلك أوفرَ الجزاء ؛ فإنه لا يظلم أحدًا مثقالَ ذَرّة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }

يعني بذلك جل ثناؤه : يسألك أصحابك يا محمد ، أيّ شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به ، وعلى من ينفقونه فيما ينفقونه ويتصدقون به ؟ فقل لهم : ما أنفقتم من أموالكم وتصدقتم به فأنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لاَبائكم وأمهاتكم وأقربيكم ، ولليتامى منكم والمساكين وابن السبيل ، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم ، وهو محصيه لكم حتى يوفيكم أجوركم عليه يوم القيامة ، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه . والخير الذي قال جل ثناؤه في قوله : قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ هو المال الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من النفقة منه ، فأجابهم الله عنه بما أجابهم به في هذه الآية .

وفي قوله : ماذَا وجهان من الإعراب : أحدهما أن يكون «ماذا » بمعنى أيّ شيء ، فيكون نصبا بقوله : «ينفقون » ، فيكون معنى الكلام حينئذً : يسألونك أيّ شيء ينفقون ، ولا ينصب ب«يسألونك » . والاَخر منهما الرفع . وللرفع في «ذلك » وجهان : أحدهما أن يكون «ذا » الذي مع «ما » بمعنى «الذي » ، فيرفع «ما » ب«ذا » و«ذا » ب«ما » ، و«ينفقون » من صلة «ذا » ، فإن العرب قد تصل «ذا » ، وهذا كما قال الشاعر :

عَدَسْ ، ما لعَبّادٍ عليكِ إمارَةٌ *** أمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ

ف«تحملين » من صلة «هذا » ، فيكون تأويل الكلام حينئذٍ : يسألونك ما الذي ينفقون . والاَخر من وجهي الرفع أن تكون «ماذا » بمعنى أيّ شيء ، فيرفع «ماذا » ، وإن كان قوله : يُنْفِقُونَ واقعا عليه ، إذ كان العامل فيه وهو «ينفقون » لا يصلح تقديمه قبله ، وذلك أن الاستفهام لا يجوز تقديم الفعل فيه قبل حرف الاستفهام ، كما قال الشاعر :

ألا تَسألاَنِ المَرْءَ ماذَا يُحاوِلُ *** أنَحْبٌ فَيُقْضَى أمْ ضَلالٌ وَباطِلُ

وكما قال الاَخر :

وَقالُوا تَعَرّفُها المَنازِلُ مِنْ مِنًى *** وَما كُلّ مَنْ يَغْشَى مِنًى أنا عارفُ

فرفع كلّ ولم ينصبه بعارف . إذْ كان معنى قوله : «وما كان من يغشى منى أنا عارف » جحود معرفة من يغشى منى ، فصار في معنى ما أحد . وهذه الآية ( نزلت ) فيما ذكر قبل أن يفرض الله زكاة الأموال . ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : يَسألُونَكَ ماذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ قال : يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة ، وإنما هي النفقة ينفقها الرجل على أهله والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم ؟ فنزلت : يَسألُونَكَ ماذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ واليتَامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ فذلك النفقة في التطوّع والزكاة سوى ذلك كله . قال : وقال مجاهد : سألوا فأفتاهم في ذلك ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : ثني عيسى ، قال : سمعت ابن أبي نجيح في قول الله : يَسألُونَكَ ماذَا يُنْفِقُونَ قال : سألوه فأفتاهم في ذلك : فللوالدين والأقربين وما ذكر معهما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وسألته عن قوله : قُلْ ما أنْفَقْتُم مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ قال : هذا من النوافل . قال : يقول : هم أحق بفضلك من غيرهم .

وهذا الذي قاله السدي من أنه لم يكن يوم نزلت هذه الآية زكاة ، وإنما كانت نفقة ينفقها الرجل على أهله ، وصدقة يتصدق بها ، ثم نسختها الزكاة ، قول ممكن أن يكون ، كما قال : وممكن غيره . ولا دلالة في الآية على صحة ما قال ، لأنه ممكن أن يكون قوله : قُلْ ما أنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبيِنَ الآية ، حَثّا من الله جل ثناؤه على الإنفاق على من كانت نفقته غير واجبة من الاَباء والأمهات والأقرباء ، ومن سمى معهم في هذه الآية ، وتعريفا من الله عباده مواضع الفضل التي تصرف فيها النفقات ، كما قال في الآية الأخرى : وآتَى المَالَ على حُبّهِ ذَوِي القُربى واليَتَامى وَالمَساكِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرّقابِ وأقامَ الصّلاةَ وآتَى الزّكاة وهذا القول الذي قلناه في قول ابن جريج الذي حكيناه . وقد بينا معنى المسكنة ، ومعنى ابن السبيل فيما مضى ، فأغنى ذلك عن إعادته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

{ يسألونك ماذا ينفقون } عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان شيخا ذا مال عظيم ، فقال يا رسول الله ماذا تنفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت ) { قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل } سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النفقة باعتباره ، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكورا في الآية ، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير . { وما تفعلوا من خير } في معنى الشرط . { فإن الله به عليم } جوابه أي إن تفعلوا خيرا فإن الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه ، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( 215 )

السائلون هم المؤمنون( {[2002]} ) ، والمعنى يسألونك ما هي الوجوه التي ينفقون فيها وأين يضعون ما لزم إنفاقه ، و «ما » يصح أن تكون في موضع رفع على الابتداء ، و «ذا » خبرها ، فهي بمعنى الذي ، و { ينفقون } صلة ، وفيه عائد على «ذا » تقديره ينفقونه ، ويصح أن تكون { ماذا } اسماً واحداً مركباً في موضع نصب ب { ينفقون } ، فيعرى من الضمير ، ومتى كانت اسماً مركباً فهي في موضع نصب لا ما جاء من قول الشاعر : [ الطويل ] .

وَمَاذا عَسَى الْوَاشُون أَنْ يَتَحَدَّثُوا . . . سِوَى أَنْ يَقُولُوا إنّني لَكِ عاشقُ( {[2003]} )

فإن عسى لا تعمل ، فماذا في موضع رفع( {[2004]} ) وهو مركب إذ لا صلة( {[2005]} ) لذا .

قال قوم : هذه الآية في الزكاة المفروضة( {[2006]} ) ، وعلى هذا نسخ منها الوالدان ومن جرى مجراهما من الأقربين .

وقال السدي : «نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة ، ثم نسختها الزكاة المفروضة » ، ووهم المهدوي على السدي في هذا فنسب إليه أنه قال إن الآية في الزكاة المفروضة ، ثم نسخ منها الوالدان ، وقال ابن جريج وغيره : هي ندب ، والزكاة غير هذا الإنفاق ، فعلى هذا لا نسخ فيها ، واليتم فقد الأب قبل البلوغ ، وتقدم القول في المسكين و { ابن السبيل } ، و { ما تفعلوا } جزم بالشرط ، والجواب في الفاء ، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه : «يفعلوا » بالياء على الغائب ، وظاهر الآية الخبر ، وهي تتضمن الوعد بالمجازاة .


[2002]:- أو عمرو بن الجموح، وكان شيخا كبيرا، وله مال كثير، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد تضمن الجواب ما ينفقونه وهو كل خير، ولكنه بنى الكلام على ما هو أهم، وهو بيان المصرف، لأن النفقة لا يعتد بها إلا إذا وقعت موقعها كما قال الشاعر: إنَّ الصَّنيعـةَ لا تكون صَنيعـةً حتّى يُصابَ بها طريقُ المَصْنَـع فإذا صَنَعْتَ صَنِيعَةً فاعْمَدْ بِهَـا للهِ أو لِــذَوي القَرَابــَةِ أوْ دَع فيكون الكلام من الأسلوب الحكيم كما في قوله تعالى: [يسألونك عن الأهلة] والصنيعة: العطية، وأشار بقوله: «حتى يُصابَ بها طريقُ المَصْنَع» إلى وضعها في موضعها اللائق بها.
[2003]:- هو قيس بن الملوح – مجنون بني عامر – كما في الأغاني، وقيل: جميل – كما في الحماسة. وبعد البيت: نَعَمْ – صَدَقَ الوَاشُونَ أنْتِ حَبِيبَـةٌ إليَّ وإن لَمْ تَصْفُ مِنْكِ الخَلائِـقُ وقد أنكر أبو (ح) هذا الإعراب، وقال: «لا نعرفه» انظره.
[2004]:- أي على أنه مبتدأ – والمعنى: أي حديث عسى الواشون أن يتحدثوا به ؟ فلا يقدرون في وشايتهم على أكثر من أن يقولوا: إنني لك مُحِبٌ وعاشق.
[2005]:- إنما لم تكن (لذا) صلة في البيت لأن عسى لا تقع صلة للموصول الاسْمِيِّ، ومن ثمّ لا يجوز أن يكون (ذا) في البيت بمعنى الذي قاله أبو (ح).
[2006]:- فيه أنه لا دليل على نسخها، ولذا عقب الحافظ ابن (ك) عليه بقوله: وفيه نظر.