تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

{ يسئلونك ماذا ينفقون } من أموالهم ، وذلك أن الله أمر بالصدقة ، فقال عمرو بن الجموح الأنصاري من بني سلمة بن جشم بن الخزرج ، قتل يوم أحد ، رضي الله عنه ، قال : يا رسول الله ، كم ننفق ؟ وعلى من ننفق ؟ فأنزل الله عز وجل في قول عمرو : كم ننفق ؟ وعلى من ننفق ؟ : { يسلونك ماذا ينفقون } من الصدقة ، { قل ما أنفقتم من خير } من مال ، كقوله سبحانه : { إن ترك خيرا } ( البقرة : 180 ) يعني مالا ، { فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل } ، فهؤلاء موضع نفقة أموالكم ، { وما تفعلوا من خير } من أموالكم ، { فإن الله به عليم } يعني بما أنفقتم عليم .

وأنزل في قول عمرو : يا رسول الله ، كم ننفق من أموالنا ؟ وعلى من ننفق ؟ قول الله عز وجل : { قل العفو } يعني فضل قوتك ، فإن كان الرجل من أصحاب الذهب والفضة أمسك الثلث وتصدق بسائره ، وإن كان من أصحاب الزرع والنخل أمسك ما يكفيه في سنته وتصدق بسائره ، وإن كان ممن يعمل بيده أمسك ما يكفيه يومه ذلك وتصدق بسائره ، فبين الله عز وجل ما ينفقون في هذه الآية ، فقال : { قل العفو } ، يعني فضل القوت ، { كذلك } يعظكم هكذا { يبين الله لكم الآيات } ، يعني أمر الصدقات ، { لعلكم تتفكرون } ( البقرة : 219 ) ، يقول لكي تتفكروا في أمر الدنيا ، فتقولون : هي دار بلاء ، وهي دار فناء ، ثم تتفكروا في الآخرة فتعرفون فضلها ، فتقولون : هي دار خير ، ودار بقاء ، فتعملون لها في أيام حياتكم ، فهذا التفكر فيهما ، فشق على الناس حين أمرهم أن يتصدقوا بالفضل ، حتى نزلت آية الصدقات في براءة ، فكان لهم الفضل وإن كثر إذا أدوا الزكاة .