قوله تعالى : { مَاذَا يُنْفِقُونَ } : قد تقدَّم أنَّ " ماذا " له ستة استعمالات/ وتحقيقُ القولِ فيه عند قولِه { مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا } [ البقرة : 26 ] . وهنا يجوزُ أَنْ تكونَ " ماذا " بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ بمعنى الاستفهام فتكونَ مفعولاً مقدَّماً ، ويجوزُ أن تكونَ " ما " و " ذا " خبرَه ، وهو موصولٌ . و " ينفقون " صلتُه والعائدُ محذوفٌ ، و " ماذا " معلِّقٌ للسؤال فهو في موضعِ المفعولِ الثاني ، وقد تقدَّم تحقيقُه في قوله : { سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم } [ البقرة : 211 ] ، وجاء " ينفقون " بلفظ الغيبة ؛ لأنَّ فاعلٌ الفعلِ قبلَه ضميرُ غَيْبَةٍ في " يسألونك " ، ويجوزُ في الكلامِ " ماذا ننفقُ " كما يجوزُ : أَقْسَمَ زيدٌ ليَضْرِبَنَّ ولأضْرِبَنَّ ، وسيأتي لهذا مزيدٌ بيانٍ في قولِه تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } [ المائدة : 4 ] في المائدةِ .
[ قوله ] : { قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ } يجوزُ في " ما " وجهان ، أحدُهما : أن تكونَ شرطيةً ، وهو الظاهرُ لتوافق ما بعدها ، ف " ما " في محلِّ نصبٍ مفعولٌ مقدَّمٌ واجبُ التقديمِ ، لأنَّ له صدرَ الكلامِ . و " أنفقْتُمْ " في محلِّ جزمٍ بالشرطِ ، و " مِنْ خيرٍ " تقدَّم إعرابُه في قوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ }
وقوله : { فَلِلْوَالِدَيْنِ } جوابُ الشرطِ ، وهذا الجارُ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي : فمَصْرِفُه للوالدَيْن ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ : إمَّا مفردٌ وإمَّا جملةٌ على حَسَبِ ما ذُكِر من الخلافِ فيما مَضَى . وتكونُ الجملةُ في محلِّ جزمٍ بجوابِ الشرطِ . والثاني : أن تكونَ " ما " موصولةً ، و " أنفقتم " صلتُها ، والعائدُ محذوفٌ لاستكمالِ الشروطِ ، أي : الذي أنفقتموه . والفاءُ زائدةٌ في الخبرِ الذي هو الجارُّ والمجرورُ . قال أبو البقاء في هذا الوجهِ : " ومِنْ خيرٍ يكونُ حالاً من العائدِ المحذوفِ " .
وهم إنما سألوا عن المُنْفَقِ ، فكيف أُجيبوا ببيانِ المَصْرِفِ للمُنْفِقِ عليه ؟ فيه أجوبةٌ منها : أنَّ في الآيةِ حَذْفاً وهو المُنْفَقُ عليه فَحُذف ، تقديره : ماذا ينفقون ولِمَنْ يُعْطونه ، فجاء الجوابُ عنهما ، فأجابَ عن المُنْفَقِ بقوله : " مِنْ خيرٍ " وعن المُنْفقِ عليه بقوله : " فللوالدَيْن " وما بعده . ومنها : أن يكون " ماذا " سؤالاً عن المَصْرِفِ على حَذْفِ مضافٍ ، تقديرُه : مَصْرِفُ ماذا يُنْفقون ؟ ومنها : أن يكونَ حَذَفَ من الأولِ ذِكْرَ المَصْرِفِ ومن الثاني ذِكْرَ المُنْفَقِ ، وكلاهما مرادٌ ، وقد تقدَّم شيءٌ من ذلك في قولِه تعالى :
{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ } [ البقرة : 171 ] . وقال الزمخشري : قد تضمَّن قولُه : { مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ } بيانَ ما يُنفقونه . وهو كلُّ خيرٍ ؛ وبُني الكلامُ على ما هو أَهَمُّ وهو بيانُ المَصْرِفِ ، لأنَّ النفقة لا يُعْتَدُّ بها أَنْ تقعَ موقِعَها . [ قال ] :
إنَّ الصنيعة لا تكونُ صنيعةً *** حتى يُصابَ بها طريقُ المَصْنَعِ "
وأمَّا قولُه : { وَمَا تَفْعَلُواْ } ف " ما " شرطيةٌ فقط لظهورِ عملها الجزمَ بخلافِ الأولى . وقرأ علي رضي الله عنه : " وما يفعلوا " بالياء على الغَيْبَة ، فيُحْتمل أن يكونَ من بابِ الالتفات من الخطابِ ، وأن يكونَ مِنْ الإِضمارِ لدلالةِ السياقِ عليه ، أي : وما يفعلِ الناسُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.