فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

{ يسألونك ماذا ينفقون } السائلون هنا هم المؤمنون ، سألوا عن الشيء الذي ينفقونه ما هو أي ما قدره وما جنسه { قل ما أنفقتم من خير } إلى آخره فأجيبوا ببيان المصرف الذي يصرفون فيه تنبيها على أنه الأولى بالقصد لأن الشيء لا يعتد به إلا إذا وضع في موضعه وصادف مصرفه ، وقيل إنه قد تضمن الآية بيان ما ينفقونه وهو كل خير ، وقيل إنما سألوا عن وجوه البر التي ينفقون فيها وهو خلاف الظاهر { وما } شرطية ، وقيل موصولة والأول أولى لتوافق ما بعدها .

{ فللوالدين } قدمهما لوجوب حقهما على الولد لأنهما السبب في وجوده { والأقربين } قدمهم لأن الإنسان لا يقدر أن يقوم بمصالح جميع الفقراء فتقديم القرابة من غيرهم ولأنهم أبعاض الوالدين { واليتامى } لأنهم لا يقدرون على الكسب ولا لهم منفق وقد تقدم الكلام في الأقربين واليتامى { والمساكين وابن السبيل } أي هم أولى به وانظر إلى هذا الترتيب الحسن العجيب في كيفية الإنفاق كيف فصله ثم أتبعه بالإجمال فقال { وما تفعلوا من خير } أي مع هؤلاء أو غيرهم طلبا لوجه الله ورضوانه { فإن الله به عليم } فيجازيكم عليه .

قال ابن مسعود : نسختها آية الزكاة ، وقال الحسن : أنها محكمة ، وقال ابن زيد : هذا في النفل أي التطوع وهو ظاهر الآية فمن أحب التقرب إلى الله بالإنفاق فالأولى به أن ينفق في الوجوه المذكورة في الآية فيقدم الأول فالأول .

ولم يذكر فيها السائلين والرقاب كما في الآية الأخرى اكتفاء بها أو بعموم قوله { وما تفعلوا من خير } فإنه شامل لكل خير وقع في أي مصرف{[202]} .


[202]:وفي سبب نزول الآية هو أن عمرو ابن الجموح الأنصاري وكان له مال كثير فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق فنزلت هذه الآية. وقيل: إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن لي دينارا. فقال: أنفقه على نفسك. فقال: إن لي دينارين. فقال: أنفقهما على أهلك. فقال: إن لي ثلاثة فقال أنفقها على خادمك فقال إن لي أربعة فقال أنفقها على والديك فقال إن لي خمسة فقال أنفقها على أقربائك فقال إن لي ستة فقال أنفقها في سبيل الله وهو أحسنها فنزلت هذه الآية.