التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{يَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡرٖ فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (215)

{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ { 215 } }

في الآية حكاية لسؤال أورد على النبي صلى الله عليه وسلم عن الوجوه التي يحسن الإنفاق فيها وأمر له بالإجابة بأن ما يمكنهم أن ينفقوه على الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وتنبيه إلى أن الله يعلم كل خير يفعلونه .

وقد روى بعض المفسرين {[336]} أن الآية نزلت في رجل طاعن في السن اسمه عمر بن الجموح كان ذا مال كثير سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بماذا يتصدق وعلى من ؟ والرواية لم ترد في كتب الأحاديث المعتبرة .

والآية على كل حال فصد جديد يحتوي سؤالاً وجواباً تعليميين مما هو كثير في سورة البقرة بخاصة والسور المدنية بعامة . وسمة التشريع بارزة عليها ، ومن المحتمل أن تكون وضعت في ترتيبها لأنها نزلت بعد سابقتها أو للمماثلة الخطابية والتشريعية بينها وبين سلسلة الآيات السابقة .

ولقد روى المفسرون {[337]} عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم في مدى الآيات بعض الروايات . منها أن الآية في صدد النفقات التطوعية ، ومنها أنها نزلت قبل فرض الزكاة ثم نسخت بالزكاة . وليس شيء من هذه الروايات وارداً في كتب الأحاديث المعتبرة ولقد كانت الزكاة ممارسة كفرض ملازم للصلاة في العهد المكي على ما استلهمناه وذكرناه في تعليقنا على الزكاة في تفسير سورة المزمل ؛ حيث يجعل هذا القول الثاني محل توقف ويجعل القول الأول هو الأوجه . وفي السور المكية آيات كثيرة حثّت على التصدق على المساكين وأبناء السبيل واليتامى إلى جانب الآيات التي تنوّه بإيتاء الزكاة وتحثّ عليها وهذا يدعم القول الأول أيضا .

ولقد مرّ في هذه السورة آيات فيها أمر رباني بالوصية للوالدين والأقربين وفي هذه الآية حثّ على الإنفاق عليهم في حياتهم أيضاً . حيث يسوغ القول : إن بعض المسلمين كانوا يقصرون في واجبهم نحو آبائهم والمحتاجين من أقاربهم وغيرهم فاقتضت الحكمة إيجاب الإنفاق عليهم في معرض الجواب على السؤال ، توكيداً للحثّ الرباني المتكرر .

وإيجاب الإنفاق على الوالدين والأقربين يأتي لأول مرة ، والأسلوب التعليمي يجعل ذلك مستمر المدى شاملاً لكل وقت بطبيعة الحال . والمتبادر أن كلمة { وَالأَقْرَبِينَ } أوسع من الزوجات والأولاد . بحيث يقال : إن الآية حثت على الإنفاق على كل قريب يكون في حاجة من غير الذين تجب على المرء نفقته . ومع أن المتبادر أن الوالدين مما يجب على المرء النفقة عليهم فإن ذكرهما متصل على ما نرجح بمواقف عقوقية كان يقفها بعضهم من والديهم .

وهناك أحاديث عديدة منها ما هو صحيح يحسن أن تساق في هذا المقام ، منها حديث رواه أبو داود جاء فيه : «قيل يا رسول الله من أَبَرُّ ؟ قال : أمَّك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذلك ، حقّ واجب ورحم موصولة » {[338]} . وحديث رواه الترمذي وأحمد والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامَكم ، فإنّ صلة الرحم محبّة في الأهل مثراةٌ في المال منسأة في الأثر » [ نفسه ] .


[336]:انظر تفسير الآيات في الطبرسي والخازن
[337]:نفسه
[338]:التاج 5/8 و10 ومثراة في المال بمعنى مكثرة له أو مباركة فيه منسأة في الأثر بمعنى مطولة في العمر أو مباركة فيه