قوله تعالى : { من كان يرجو لقاء الله } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب . والرجاء بمعنى الخوف . وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه : من كان يطمع في ثواب الله ، { فإن أجل الله لآت } يعني : ما وعد الله من الثواب والعقاب . وقال مقاتل : يعني : يوم القيامة لكائن . ومعنى الآية : أن من يخشى الله أو يأمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم ، كما قال : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا } الآية . { وهو السميع العليم* }
{ 5-6 } { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }
يعني : يا أيها المحب لربه ، المشتاق لقربه ولقائه ، المسارع في مرضاته ، أبشر بقرب لقاء الحبيب ، فإنه آت ، وكل آت إنما هو قريب ، فتزود للقائه ، وسر نحوه ، مستصحبا الرجاء ، مؤملا الوصول إليه ، ولكن ، ما كل من يَدَّعِي يُعْطَى بدعواه ، ولا كل من تمنى يعطى ما تمناه ، فإن اللّه سميع للأصوات ، عليم بالنيات ، فمن كان صادقا في ذلك أناله ما يرجو ، ومن كان كاذبا لم تنفعه دعواه ، وهو العليم بمن يصلح لحبه ومن لا يصلح .
ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك ما يدخل السرور والاطمئنان على قلوب عباده المؤمنين الصادقين فقال - تعالى - : { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع } أى : من كان من الناس يرجو لقاء الله - تعالى - يوم القيامة لقاء يسره ويرضيه ، ويطمعه فى ثوابه وعطائه ، فلثبت على إيمانه ، وليواظب على العمل الصالح ، { فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ } . أى : فإن الأجل الذى حدده الله - تعالى - لموت كل نفس وللبعث والحساب ، لآت لا محالة فى وقته الذى حدده - سبحانه - " وهو السميع " لأقوال خلقه " العليم " بما يخفونه وما يعلنونه .
فالرجاء فى لقاء الله ، بمعنى الطمع فى ثوابه ، ومنهم من فسره بمعنى الخوف من حسابه - سبحانه - .
قال صاحب الكشاف : لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة ، من تلقى ملك الموت ، البعث ، والحساب ، والجزاء ، مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتى ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب ، لما رضى من أفعاله ، أو بضد ذلك لما سخطه منها . . . وقيل : " يرجو " يخاف ، كما فى قول الشاعر :
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها . . . . . أي : إذا لسعته النحل لم يخف لسعها
وعلى كلا التفسرين للرجاء . فإن الآية الكريمة تبشر المؤمنين بما يدخل السرور على نفوسهم ، وتعدهم بأنهم متى ثبتوا على إيمانهم ، وأحسنوا أعمالهم ، فإن ثوابهم سيظفرون به كاملا غير منقوص ، بفضل الله وإحسانه .
أما الإيقاع الثالث فيتمثل في تطمين الذين يرجون لقاء الله ، ووصل قلوبهم به في ثقة وفي يقين :
( من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت ، وهو السميع العليم ) . .
فلتقر القلوب الراجية في لقاء الله ولتطمئن ؛ ولتنتظر ما وعدها الله إياه ، انتظار الواثق المستيقن ؛ ولتتطلع إلى يوم اللقاء في شوق ولكن في يقين .
والتعبير يصور هذه القلوب المتطلعة إلى لقاء الله صورة موحية . صورة الراجي المشتاق ، الموصول بما هناك . ويجيب على التطلع بالتوكيد المريح . ويعقب عليه بالطمأنينة الندية ، يدخلها في تلك القلوب . فإن الله يسمع لها ، ويعلم تطلعها : ( وهو السميع العليم ) .
يقول تعالى : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ } أي : في الدار الآخرة ، وعمل الصالحات رجاء ما عند الله من الثواب الجزيل ، فإن الله سيحقق له رجاءه ويوفيه عمله كاملا موفورا{[22487]} ، فإن ذلك كائن لا محالة ؛ لأنه سميع الدعاء ، بصير بكل الكائنات{[22488]} ؛ ولهذا قال : { مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
{ من كان يرجو لقاء الله } في الجنة ، وقيل المراد بلقاء الله الوصول إلى ثوابه ، أو إلى العاقبة من الموت والبعث والحساب والجزاء على تمثيل حاله بحال عبد قدم على سيده بعد زمان مديد وقد اطلع السيد على أحواله ، فأما أن يلقاه ببشر لما رضي من أفعاله أو بسخط لما سخط منها . { فإن أجل الله } فإن الوقت المضروب للقائه . { لآت } لجاء وإذا كان وقت اللقاء آتيا كان اللقاء كائنا لا محالة ، فليبادر ما يحقق أمله ويصدق رجاءه أو ما يستوجب به القربة والرضا . { وهو السميع } لأقوال العباد . { العليم } بعقائدهم وأفعالهم .
ثم أخبر تعالى عن الحشر والرجوع إلى الله تعالى في القيامة بأنه آت إذ قد أجله الله تعالى وأخبر به ، وفي قوله { من كان يرجو لقاء الله } ، تثبيت ، أي من كان على هذا الحق فليوقن بأنه آت وليتزيد بصيرة ، وقال أبو عبيدة { يرجو } ها هنا بمعنى يخاف{[9207]} ، والصحيح أن الرجاء ها هنا على بابه متمكناً ، قال الزجاج : المعنى لقاء ثواب الله ، وقوله تعالى : { وهو السميع العليم } ، معناه لأقوال كل فرقة ، و { العليم } معناه بالمعتقدات التي لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.