السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (5)

ولما بين بقوله : { أحسب الناس أن يتركوا } أن العبد لا يترك في الدنيا سدى ، وبين في قوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات } أن من ترك ما كلف به يعذب عذاباً بين أن من يعترف بالآخرة ويعمل لها لا يضيع عمله بقوله تعالى : { من كان يرجو لقاء الله } أي : الملك الأعلى ، قال ابن عباس ومقاتل : من كان يخشى البعث والحساب والرجاء بمعنى الخوف ، وقال سعيد بن جبير : من كان يطمع في ثواب الله { فإن أجل الله } أي : الوقت المضروب للقائه { لآت } أي : لجاءٍ لا محالة فإنه لا يجوز عليه إخلاف الوعد ، فإن قيل : كيف وقع فإن أجل الله لآت جواباً للشرط ؟ أجيب : بأنه إذا كان وقت اللقاء آتياً كان اللقاء آتياً لا محالة كما تقول من كان يرجو لقاء الملك فإن يوم الجمعة قريب ، إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة ، وقال مقاتل يعني : يوم القيامة لكائن ومعنى الآية أن من يخشى الله تعالى ويأمله فليستعد له وليعمل لذلك اليوم كما قال تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً } ( الكهف : 110 ) { وهو السميع } أي : لما قالوه { العليم } يعلم من صدق فيما قال ومن كذب فيثيب ويعاقب على حسب علمه ، قال الرازي : وههنا لطيفة وهي أنّ للعبد أموراً هي أصناف حسناته عمل قلبه وهو التصديق وهو لا يرى ولا يسمع وإنما يعلم ، وعمل لسانه وهو يسمع ، وعمل أعضائه وجوارحه وهو يرى فإذا أتى بهذه الأشياء يجعل الله تعالى لمسموعه ما لا أذن سمعت ، ولمرئيه ما لا عين رأت ولعمل قلبه ما لا خطر على قلب بشر كما وصف في الخبر في وصف الجنة اه .

( تنبيه ) : لم يذكر الله تعالى من الصفات غير هذين الصفتين كالعزيز والحكيم وذلك لأنه سبق القول في قوله { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمناً } وسبق الفعل بقوله تعالى : { وهم لا يفتنون } وبقوله تعالى : { فليعلمن الله الذين صدقوا } وبقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات } ولا شك أن القول يدرك بالسمع ، والعمل منه ما يدرك بالبصر ومنه ما لا يدرك به كما علم مما مرّ والعلم يشملها .