الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتٖۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (5)

لقاء الله : مثل للوصول إلى العاقبة ، من تلقي ملك الموت ، والبعث ، والحساب ، والجزاء : مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل ، وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر ، فإما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله ، أو بضد ذلك لما سخطه منها ، فمعنى قوله : { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله } : من كان يأمل تلك الحال . وأن يلقى فيها الكرامة من الله والبشر { فَإِنَّ أَجَلَ الله } وهو الموت { لآتٍ } لا محالة ؛ فليبادر العمل الصالح الذي يصدق رجاءه ، ويحقق أمله ، ويكتسب به القربة عند الله والزلفى { وَهُوَ السميع العليم } الذي لا يخفى عليه شيء مما يقوله عباده ومما يفعلونه ، فهو حقيق بالتقوى والخشية . وقيل : { يَرْجُو } : يخاف من قول الهذلي في صفة عسّال :

إِذَا لَسَعْتُه الدَّبْرُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا ***

فإن قلت : فإن أجل الله لآت ، كيف وقع جواباً للشرط ؟ قلت : إذا علم أن لقاء الله عنيت به تلك الحال الممثلة والوقت الذي تقع فيه تلك الحال هو الأجل المضروب للموت : فكأنه قال : من كان يرجو لقاء الله فإن لقاء الله لآت ، لأن الأجل واقع فيه اللقاء ، كما تقول : من كان يرجو لقاء الملك فإن يوم الجمعة قريب ، إذا علم أنه يقعد للناس يوم الجمعة .