معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

قوله تعالى : { يوم يأت } قرئ بإثبات الياء وحذفها .

قوله تعالى : { لا تكلم } ، أي : لا تتكلم { نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد } ، أي : فمنهم من سبقت له الشقاوة ومنهم من سبقت له السعادة .

أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنبأنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن منصور ، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : " خرجنا على جنازة فبينا نحن بالبقيع إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده مخصرة ، فجاء فجلس ، ثم نكت بها الأرض ساعة ، ثم قال : ما من نفس منفوسة إلا قد كتب مكانها من الجنة أو النار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة ، قال : فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا يا رسول الله وندع العمل ؟ قال :لا ، ولكن اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، قال : ثم تلا : { فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى } [ الليل :5-10 ]

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

{ يَوْمَ يَأْتِ ْ } ذلك اليوم ، ويجتمع الخلق { لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ْ } حتى الأنبياء ، والملائكة الكرام ، لا يشفعون إلا بإذنه ، { فَمِنْهُمْ ْ } أي : الخلق { شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ْ } فالأشقياء ، هم الذين كفروا بالله ، وكذبوا رسله ، وعصوا أمره ، والسعداء ، هم : المؤمنون المتقون .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

ثم ذكر - سبحانه - جانبا من أهوال هذا اليوم ، ومن أحوال الناس فيه فقال : { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ }

والشقى : صفة مشبهة من الفعل شقى ، وهو الشخص المتلبس بالشقاوة ، والشقاء :

أى سوء الحال - بسبب إيثاره الضلالة على الهداية ، والباطل على الحق . . .

والسعيد : هو الشخص المتلبس بالسعادة ، وبالأحوال الحسنة بسبب إيمانه وعمله الصالح .

والمعنى : حين يأتى هذا اليوم ؛ وهو يوم القيامة ، لا تتتكلم فيه نفس بأى كلام إلا بإذن الله - تعالى - ويكون الناس فيه منقسمين إلى قسمين : قسم شقى معذب بسبب كفره ، وسوء عمله ، وتفريطه فى حقوق الله . . .

وقسم سعيد منعم بسبب إيمانه : وعمله الصالح . . .

فإن قيل : كيف نجمع بين هذه الآية التى تنفى الكلام عن كل نفس إلا بإذن الله وبين قوله - تعالى - { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا . . . } فالجواب : أن فى يوم القيامة مواقف متعددة ، ففى بعضها يجادل الناس عن أنفسهم ، وفى بعضها يكفون عن الكلام إلا بإذن الله ، وفى بعضها يختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون .

وفى هذه الآية الكريمة إبطال لما زعمها لمشركون من أن أصنامهم ستدافع عنهم ، وستشفع لهم يوم القيامة .

قال الإِمام ابن كثير : قوله - تعالى - { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ . . . } أى : يوم يأتى هذا اليوم وهو يوم القيامة ، لا يتكلم أحد إلا بإذن الله - تعالى - كما قال - سبحانه - { يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } وقال - سبحانه - { وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمن فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } - فى الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حديث الشفاعة الطويل : - " ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، ودعوة الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

100

( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ) .

فالصمت الهائل يغشى الجميع ، والرهبة الشاملة تخيم على المشهد ومن فيه . والكلام بإذن لا يجرؤ أحد على طلبه ، ولكن يؤذن لمن شاء الله فيخرج من صمته بإذنه . . ثم تبدأ عملية الفرز والتوزيع :

( فمنهم شقي وسعيد ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

وقوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } أي : فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد ، كما قال : { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [ الشورى : 7 ] .

وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده : حدثنا موسى بن حيان ، حدثنا عبد الملك بن عمرو ، حدثنا سليمان بن{[14911]} سفيان ، حدثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن عمر{[14912]} رضي الله عنه ، قال : لما نزلت { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت :{[14913]} يا رسول الله ، علام نعمل{[14914]} ؟ على شيء قد فُرغ منه ، أم على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال : " على شيء قد فرغ منه يا عمر وجرت به الأقلام ، ولكن كل ميسر لما خلق له " {[14915]} .


[14911]:- في ت ، أ : "أبو".
[14912]:- في أ : "عمر بن الخطاب".
[14913]:- في ت : "فقلت".
[14914]:- في ت : "على ما يعمل".
[14915]:- ورواه الترمذي في السنن برقم (3111) عن بندار ، عن أبي عامر العقدي - عبد الملك بن عمرو به - وقال الترمذي : "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن عمرو".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

{ يوم يأتي } أي الجزاء أو اليوم كقوله : { أو تأتيهم الساعة } على أن { يوم } بمعنى حين أو الله عز وجل كقوله تعالى : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل } ونحوه . وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة { يأت } بحذف الياء اجتراء عنها بالكسرة . { لا تكلّم نفس } لا تتكلم بما ينفع وينجي من جواب أو شفاعة ، وهو الناصب للظرف ويحتمل نصبه بإضمار اذكر أو بالانتهاء المحذوف . { إلا بإذنه } إلا بإذن الله كقوله : { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان } وهذا في موقف وقوله : { هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون } في موقف آخر أو المأذون فيه هي الجوابات الحقة والممنوع عنه هي الأعذار الباطلة . { فمنهم شقيّ } وجبت له النار بمقتضى الوعيد . { وسعيد } وجبت له الجنة بموجب الوعد والضمير لأهل الموقف وإن لم يذكر لأنه معلوم مدلول عليه بقوله : { لا تكلم نفس } أو للناس .