قوله : { يَوْمَ يَأْتِ } قرأ أبو عمرو والكسائيُّ ونافعٌ " يَأتِي " {[18985]} بإثبات الياءِ وصْلاً وحذفها وقْفاً .
وقرأ ابنُ كثير بإثباتها وصْلاً ووقفاً وباقي السبعة : قرءوا بحذفها وصلاً ووقْفاً .
وقد وردتْ المصاحفُ بإثباتها وحذفها : ففي مصحف أبيّ إثباتُها ، وفي مصحق عثمان حذفها ، وإثباتها هو الوجه ؛ لأنَّها لامُ الكلمة ، وإنَّما حذفُوها في القوافي ، والفواصل ، لأنَّها محلُّ وقوف وقالوا : لا أدْرِ ، ولا أبَالِ .
وقال الزمخشريُّ " والاجتزاءُ بالكسرة عن الياءِ كثيرةٌ في لغةِ هذيلٍ " .
وأنشد ابنُ جريرٍ في ذلك : [ الرجز ]
كَفَّاكَ كَفٌّ ما تُليقُ دِرْهَمَا *** جُوداً وأخْرَى تُعْطِ بالسِّيْفِ الدَّما{[18986]}
والنّاصبُ لهذا الظرف فيه أوجه :
أحدها : أنه " لا تكلَّمُ " والتقديرُ : لا تكلَّمُ نفسٌ يوم يأتي ذلك اليوم . وهذا معنى جيد لا حاجة إلى غيره .
الثاني : أن ينتصب ب " اذْكُر " مقدراً .
والثالث : أن ينتصب بالانتهاءِ المحذوف في قوله : { إِلاَّ لأَجَلٍ } أي : ينتهي الأجل يوم يأتي .
والرابع : أنَّهُ منصوبٌ ب " لا تكلَّمُ " مقدَّراً ، ولا حاجة إليه .
والجملةُ من قوله : " لا تكلَّمُ " في محلِّ نصب على الحال من ضمير اليوم المتقدم في " مَشْهُود " أو نعتاً له لأنه نكرة . والتقدير : لا تكلَُّم نفسٌ فيه إلاَّ بإذنه ، قاله الحوفيُّ .
وقال ابن عطيَّة{[18987]} : " لا تكلَّمُ نفسٌ " يصحُّ أن تكون جملة في موضع الحال من الضَّمير الذي في " يَأتِ " وهو العائدُ على قوله : { ذَلِكَ يَوْمٌ } ، ويكون على هذا عائدٌ محذوف تقديره : لا تكلمُ نفسٌ فيه ، ويصحُّ أن يكون قوله : { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } صفةً لقوله : { يَوْمَ يَأْتِ } .
أظهرهما : أنَّهُ ضميرُ " يَوْم " المتقدِّم .
والثاني : أنَّه ضمير الله تعالى كقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله } [ البقرة : 210 ] وقوله : " أوْ يَأتِي ربُّكَ " .
والضميرُ في قوله : " فَمِنْهُمْ الظاهرُ عودهُ على " النَّاس " في قوله : { مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس } وجعله الزمخشريُّ عائداً على أهل الموقف وإن لمْ يذكرُوا ، قال : لأن ذلك معلومٌ ، ولأنَّ قوله : { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ } يدلُّ عليه " وكذا قال ابنُ عطية .
وقوله : { وَسَعِيدٌ } خبره محذوف : أي : ومنهم سعيدٌ ، كقوله : { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } [ هود : 100 ] .
هذه الآية توهم المناقضة لقوله { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [ النحل : 111 ] ولقوله { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 35- 36 ] وقوله : { والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] .
والجواب : قال بعضهم : إنَّهُ حيثُ ورد المنعُ من الكلامِ ، فهو محمولٌ على ذكر الأعذار الكاذبة الباطلة ، وحيث ورد الإذن في الكلام ، فهو محمول على الجوابات الصَّحيحة ؛ قال تعالى : { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَقَالَ صَوَاباً } [ النبأ : 38 ] وقيل : إنَّ ذلك اليوم يوم طويل ، وله مواقف ، ففي بضعها يجادلُون عن أنفسهم ، وفي بعضها يختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم .
وقيل : ورد المنع عن الكلام مطلقاً ، وورد مقيداً بالإذن فيحمل المطلق على المقيِّد .
قوله : { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } قال الزمخشريُّ{[18988]} : الضميرُ في قوله : " مِنْهُمْ " لأهل الموقف ولمْ يذكرُوا ؛ لأنَه مفهومٌ ، ولأنَّ قوله : { لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } يدلُّ عليه ؛ ولأنه مذكورٌ في قوله : { مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس } .
واستدلَّ القاضي بهذه الآية على فساد القول بأنَّ أهل الأعراف لا في الجنة ولا في النَّارِ .
وجوابه : أنَّ الأطفال والمجانين أيضاً خارجون عن هذا التَّقسيم ؛ لأنَّهُم لا يحاسبُون ، فلم لا يجوزُ أيضاً أن يقال : إنَّ أصحاب الأعراف خارجون عنه أيضاً ؛ لأنهم لا يحاسبون لأنَّ الله - تعالى - علم من حالهم أنَّ ثوابهم يساوي عذابهم ، فلا فائدة في حسابهم .
واستدلَّ القاضي أيضاً بهذه الآية على أنَّ كلَّ من حضر عرضة القيامة فلا بد وأن يكون ثوابه زائداً أو عذابه ، فأمَّا من كان ثوابه مساوياً لعقابه ، فإنَّه وإن كان جائزاً في العقل ، إلا أن هذا النص يدلُّ على أنَّهُ غيرُ موجودٍ .
وأجيب بأنَّ تخصيص هذين القسمين بالذِّكر لا يدلُّ على نفي القسم الثالث ؛ لأنَّ أكثر الآيات مشتملةٌ على ذكر المؤمن والكافر ، وليس فيه ذك ثالث لا يكون مؤمناً ولا كافراً مع أنَّ القاضي أثبته ، فإذا لم يلزمْ من عدم ذكر الثالث عدمه فكذلك لا يلزمُ من عدم ذكر هذا الثالث عدمه .
" روى أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - قال : خرجنا على جنازة ، فبينما نحنُ بالبقيع إذْ خرج رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وبيده مخصرةٌ ، فجاء ، فجلس ، ثم نكت بها الأرض ساعة ، ثم قال : " ما مِنْ نفس منفُوسةٍ إلاَّ قد كُتِبَ مكانُها من الجنّة ، أو النَّار ، وإلاَّ قد كُتبتْ شقيَّةً ، أو سعيدةً " قال : فقال رجلٌ : أفلا نتكلُ على كتابنا يا رسول الله وندعُ العمل ؟ قال : " لا ، ولكن اعملوا فكُلٌّ ميسرٌ لما خلق لهُ ، وأمَّا أهلُ الشقاء فسييسرون لعمل أهل الشقاء ، وأمَّا أهلُ السَّعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة " ثم تلا : { فَأَمَّا مَنْ أعطى واتقى وَصَدَّقَ بالحسنى فَسَنُيَسِّرُهُ لليسرى وَأَمَّا مَن بَخِلَ واستغنى وَكَذَّبَ بالحسنى فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى }{[18989]} [ الليل : 5- 10 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.