فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ يَأۡتِ لَا تَكَلَّمُ نَفۡسٌ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ فَمِنۡهُمۡ شَقِيّٞ وَسَعِيدٞ} (105)

{ يَوْمَ يَأْتِ } قرأ أهل المدينة وأبو عمرو ، والكسائي بإثبات الياء في الدرج ، [ و ] حذفها في الوقف . وقرأ أبيّ ، وابن مسعود بإثباتها وصلاً ووقفاً . وقرأ الأعمش بحذفها فيهما ، ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي : أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة . ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل : أنهم رأوا رسم المصحف كذلك . وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر ، وأنشد الفراء في حذف الياء :

كفاك كف ما تليق درهما *** جوداً وأخرى تعط بالسيف الدما

قال الزجاج : والأجود في النحو إثبات الياء ، والمعنى : حين يأتي يوم القيامة { لاَ تَكَلّمُ نَفْس } أي : لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفاً : أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام .

وقيل : لا تكلم بحجة ولا شفاعة { إِلاَّ بِإِذْنِهِ } سبحانه لها في التكلم بذلك ، وقد جمع بين هذا وبين قوله : { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة . وقد تكرّر مثل هذا الجمع في مواضع { فَمِنْهُمْ شَقِيٌ وَسَعِيد } أي : من الأنفس شقيّ ، ومنهم سعيد . فالشقيّ : من كتبت عليه الشقاوة ، والسعيد : من كتبت له السعادة ، وتقديم الشقيّ على السعيد لأن المقام مقام تحذير .

/خ108