" يوم يأتي " وقرئ " يوم يأت " لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة ، تقول : لا أدر ، ذكره القشيري . قال النحاس : قرأه أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الإدراج ، وحذفها في الوقف ، وروي أن أبيا وابن مسعود قرآ " يوم يأتي " بالياء في الوقف والوصل . وقرأ الأعمش وحمزة " يوم يأت " بغير باء في الوقف والوصل ، قال أبو جعفر النحاس : الوجه في هذا ألا يوقف عليه ، وأن يوصل بالياء ، لأن جماعة من النحويين قالوا : لا تحذف الياء ، ولا يجزم الشيء بغير جازم ، فأما الوقف بغير ياء ففيه قول للكسائي ، قال : لأن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم ، فحذف الياء ، كما تحذف الضمة . وأما قراءة حمزة فقد احتج أبو عبيد لحذف الياء في الوصل والوقف بحجتين إحداهما : أنه زعم أنه رآه في الإمام الذي يقال له إنه مصحف عثمان رضي الله عنه بغير ياء . والحجة الأخرى : أنه حكى أنها لغة هذيل ، تقول : ما أدر ، قال النحاس : أما حجته بمصحف عثمان رضي الله عنه فشيء يرده عليه أكثر العلماء ، قال مالك بن أنس رحمه الله : سألت عن مصحف عثمان رضي الله عنه فقيل لي ذهب ، وأما حجته بقولهم : " ما أدر " فلا حجة فيه ؛ لأن هذا الحذف قد حكاه النحويون القدماء ، وذكروا علته ، وأنه لا يقاس عليه . وأنشد الفراء في حذف الياء .
كَفَّاكَ كَفٌّ ما تُلِيقُ درهما *** جودًا وأخرى تُعْطِ بالسيف الدَّمَا
أي تعطي . وقد حكى سيبويه والخليل أن العرب تقول : لا أدر ، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة ، إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال . قال الزجاج : والأجود في النحو إثبات الياء ، قال : والذي أراه اتباع المصحف وإجماع القراء ؛ لأن القراءة سنة ، وقد جاء مثله في كلام العرب . " لا تكلم نفس إلا بإذنه " الأصل تتكلم ، حذفت إحدى التاءين تخفيفا . وفيه إضمار ، أي لا تتكلم فيه نفس إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام ؛ لأنهم ملجوؤون إلى ترك القبيح . وقيل : المعنى لا تكلم بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه . وقيل : إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه . وهذه الآية أكثر ما يسأل عنها أهل الإلحاد في الدين . فيقول لم قال : " لا تكلم نفس إلا بإذنه " و " هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون{[8850]} " [ المرسلات : 36 ] . وقال في موضع من ذكر القيامة : " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون{[8851]} " [ الصافات : 27 ] . وقال : " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها{[8852]} " [ النحل : 111 ] . وقال : " وقفوهم إنهم مسؤولون{[8853]} " [ الصافات : 24 ] . وقال : " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان{[8854]} " [ الرحمن : 39 ] . والجواب ما ذكرناه ، وأنهم لا ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم ، ولوم بعضهم بعضا ، وطرح بعضهم الذنوب على بعض ، فأما التكلم والنطق بحجة لهم فلا ، وهذا كما تقول للذي يخاطبك كثيرا ، وخطابه فارغ عن الحجة : ما تكلمت بشيء ، وما نطقت بشيء ، فسمي من يتكلم بلا حجة فيه له غير متكلم . وقال : قوم : ذلك اليوم طويل ، وله مواطن ومواقف في بعضها يمنعون من الكلام ، وفي بعضها يطلق لهم الكلام ، فهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه . " فمنهم شقي وسعيد " أي من الأنفس ، أو من الناس ، وقد ذكرهم قوله : " يوم مجموع له الناس " . والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة . والسعيد الذي كتبت عليه السعادة ، قال لبيد :
فمنهم سعيدٌ آخذ بنصيبه*** ومنهم شَقِيُّ بالمعيشة قانع
وروى الترمذي عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت هذه الآية " فمنهم شقي وسعيد " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا نبي الله فعلام نعمل ؟ على شيء قد فرغ منه ، أو على شيء لم يفرغ منه ؟ فقال : ( بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له ) . قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عمر ، وقد تقدم في " الأعراف{[8855]} " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.