قوله تعالى : { وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم } يعني : شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم ، أي : أصابكم الشؤم من قبلكم . وقال ابن عباس و الضحاك : حظكم من الخير والشر ، { أئن ذكرتم } أي : وعظتم بالله تطيرتم بنا . وقرأ أبو جعفر : ( ( أن ) ) بفتح الهمزة اللينة ( ( ذكرتم ) ) بالتخفيف ، { بل أنتم قوم مسرفون } مشركون مجاوزون الحد .
فقالت لهم رسلهم : { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } وهو ما معهم من الشرك والشر ، المقتضي لوقوع المكروه والنقمة ، وارتفاع المحبوب والنعمة . { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ } أي : بسبب أنا ذكرناكم ما فيه صلاحكم وحظكم ، قلتم لنا ما قلتم .
{ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } متجاوزون للحد ، متجرهمون في قولكم ، فلم يزدهم [ دعاؤهم ] إلا نفورا واستكبارا .
ولكن الرسل قابلوا هذا التهديد - أيضا - بالثبات ، والمنطق الحكيم فقالوا لهم : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } .
أى : قال الرسل لأهل القرية : ليس الأمر كما ذكرتم من أننا سبب شؤمكم ، بل الحق أن شؤمكم معكم ، ومن عند أنفسكم ، بسبب إصراركم على كفركم ، وإعراضكم عن الحق الذى جئناكم به من عند خالقكم .
وجواب الشرط لقوله : { أَإِن ذُكِّرْتُم } محذوف ، والتقدير : أئن وعظتم وذكرتم بالحق ، وخوفتهم من عقاب الله . . تطيرتم وتشاءمتم .
وقوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } إضراب عما يقتضيه الاستفهام والشرط من كون التذكير سببا للشؤم .
أى : ليس الأمر كما ذكرتم من أن وجودنا بينكم هو سبب شؤمكم ، بل الحق أنكم قوم عادتكم الإِسراف فى المعاصى ، وفى إيثار الباطل على الحق ، والغى على الرشد ، والتشاؤم على التيامن .
ثم بين - سبحانه - بعد تلك المحاورة التى دارت بين أهل القرية وبين الرسل ، والتى تدل على أن أهل القرية كانوا مثلا فى السفاهة والكراهة للخير والحق .
ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق :
فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية . والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة ؛ وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم . إنما هو معهم . مرتبط بنواياهم وأعمالهم ، متوقف على كسبهم وعملهم . وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً . فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه ، ومن خلال اتجاهه ، ومن خلال عمله . وهو يحمل طائره معه . هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح . أو التشاؤم بالوجوه ، أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالكلمات . . فهو خرافة لا تستقيم على أصل مفهوم !
يعني أترجموننا وتعذبوننا لأننا نذكركم ! أفهذا جزاء التذكير ?
تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير ؛ وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد ؛ وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب !
فقالت لهم رسلهم : { طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ } أي : مردود عليكم ، كقوله تعالى في قوم فرعون : { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ } [ الأعراف : 131 ] ، وقال قوم صالح :{[24707]} { اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ } [ النمل : 47 ] . وقال قتادة ، ووهب بن منبه : أي أعمالكم معكم . وقال تعالى : { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } [ النساء : 78 ] .
وقوله : { أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } أي : من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله وإخلاص العبادة له ، قابلتمونا بهذا الكلام ، وتوعدتمونا وتهددتمونا ؟ بل أنتم قوم مسرفون .
وقال قتادة : أي إن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا ، بل أنتم قوم مسرفون .
{ قالوا طائركم معكم } سبب شؤمكم وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم ، وقرئ " طيركم معكم " { أئن ذكرتم } وعظتم ، وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب ، وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وأن بغير الاستفهام " أين ذكرتم " بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ . { بل أنتم قوم مسرفون } قوم عادتكم الإسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم ، أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.