معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

قوله تعالى : { الم * أحسب الناس } أظن الناس ، { أن يتركوا } بغير اختبار ولا ابتلاء ، { أن يقولوا } أي : بأن يقولوا ، { آمنا وهم لا يفتنون } لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم كلا . لنختبرنهم ليبين المخلص من المنافق والصادق من الكاذب . واختلفوا في سبب نزول هذه الآية ، قال الشعبي : نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لا يقبل منكم إقرار بالإسلام حتى تهاجروا ، فخرجوا عامدين إلى المدينة فتبعهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله هاتين الآيتين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : وأراد بالناس الذين آمنوا بمكة : سلمة بن هشام ، وعياش ابن ربيعة ، والوليد بن الوليد ، وعمار بن ياسر وغيرهم . وقال ابن جريج : نزلت في عمار بن ياسر ، كان يعذب في الله عز وجل . وقال مقاتل :نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر ، كان أول قتيل من المسلمين يوم بدر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سيد الشهداء مهجع بن عبد الله وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة " ، فجزع أبواه وامرأته فأنزل الله فيهم هذه الآية . وقيل : { وهم لا يفتنون } بالأوامر والنواهي ، وذلك أن الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان ، ثم فرض عليهم الصلاة ، والزكاة ، وسائر الشرائع ، فشق على بعضهم ، فأنزل الله هذه الآية .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

يخبر تعالى عن [ تمام ] حكمته وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان ، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن ، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه .

فإنهم لو كان الأمر كذلك ، لم يتميز الصادق من الكاذب ، والمحق من المبطل ، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة ، أن يبتليهم بالسراء والضراء ، والعسر واليسر ، والمنشط والمكره ، والغنى والفقر ، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان ، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن ، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة ، والشهوات المعارضة للإرادة ، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل ، ويدفعها{[619]} بما معه من الحق وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب ، أو الصارفة عن ما أمر اللّه به ورسوله ، يعمل بمقتضى الإيمان ، ويجاهد شهوته ، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته .

ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا ، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي أو تصدفه عن الواجبات ، دلَّ ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه .

والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا اللّه ، فمستقل ومستكثر ، فنسأل اللّه تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وأن يثبت قلوبنا على دينه ، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير ، يخرج خبثها وطيبها .


[619]:- كذا في ب وفي أ: ويدفعه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

والاستفهام فى قوله - سبحانه - : { أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } للإِنكار و { حسب } من الحسبان بمعنى الظن . وقوله : { يُفْتَنُونَ } من الفتن ، بمعنى الاختبار والامتحان .

يقال : فتنت الذهب بالنار ، أى : أدخلته فيها لتعلم الجيد منه من الخبيث .

وجملة " أن يتركوا " سدت مسد مفعولى حسب ، وجملة " أن يقولوا " فى موضع نصب ، على معنى : لأن يقولوا ، وهى متعلقة بقوله : { يتركوا } . وجملة " وهم لا يفتنون " فى موضع الحال من ضمير " يتركوا " .

والمعنى : أظن الناس أن يتركوا بدون امتحان ، واختبار ، وابتلاء ، وبدون نزول المصائب بهم ، لأنهم نطقوا بكلمة الإِيمان ؟ إن ظنهم باطل ، ووهم فاسد ، لأن الإِيمان ليس كلمة تقال باللسان فقط ، بل هو عقيدة تكلف صاحبها الكثير من ألوان الابتلاء والاختبار ، عن طريق التعرض لفقد الأموال والأنفس والثمرات ، حتى يتميز قوى الإِيمان من ضعيفه .

قال القرطبى : والمراد بالناس قوم من المؤمنين كانوا بن ربيعة ، والوليد بن الوليد . . . فكانت صدورهم تضيق بذلك ، وربما استنكروا أن يمكن الله الكفار من المؤمنين . قال مجاهد وغيره : فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هى سيرة الله فى عباده ، اختبار للمؤمنين وفتنة .

قال ابن عطية : وهذه الآية وإن اكنت نزلت بهذا السبب أو ما فى معناه من الأقوال ، فهى باقية فى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، موجد حكمها بقية الدهر

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

وبعد هذا الافتتاح يبدأ الحديث عن الإيمان ، والفتنة التي يتعرض لها المؤمنون لتحقيق هذا الإيمان ؛ وكشف الصادقين والكاذبين بالفتنة والابتلاء :

( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا وهم لا يفتنون ? ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) .

إنه الإيقاع الأول في هذا المقطع القوي من السورة . يساق في صورة استفهام استنكاري لمفهوم الناس للإيمان ، وحسبانهم أنه كلمة تقال باللسان .

( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا : آمنا وهم لا يفتنون ? ) . .

إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ؛ وأمانة ذات أعباء ؛ وجهاد يحتاج إلى صبر ، وجهد يحتاج إلى احتمال . فلا يكفي أن يقول الناس : آمنا . وهم لا يتركون لهذه الدعوى ، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به - وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه - وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .

هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت ، وسنة جارية ، في ميزان الله سبحانه :

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

وقوله : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ } استفهام إنكار ، ومعناه : أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلي عباده المؤمنين بحسب ما عندهم من الإيمان ، كما جاء في الحديث الصحيح : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء " {[22483]} . وهذه الآية كقوله : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } {[22484]} [ آل عمران : 142 ] ، ومثلها في سورة " براءة " وقال في البقرة : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [ البقرة : 214 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }


[22483]:- المسند (1/172) والترمذي في السنن برقم (2398) من طريق مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، وقال الترمذي : "حديث حسن صحيح".
[22484]:- هكذا وقعت الآية في جميع المخطوطات ، والصواب بعدم إثبات قوله تعالى: (ويعلم الصابرين) لأنها ليست نهاية تذييل الآية ونهاية تذييل الآية : (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } .

قال أبو جعفر : وقد بيّنا معنى قول الله تعالى ذكره الم وذكرنا أقوال أهل التأويل في تأويله ، والذي هو أولى بالصواب من أقوالهم عندنا ، بشواهده فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وأما قوله : أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ فإن معناه : أظَنّ الذين خرجوا يا محمد من أصحابك من أذى المشركين إياهم ، أن نتركَهم بغير اختبار ، ولا ابتلاء امتحان ، بأن قالوا : آمنا بك يا محمد ، فصدّقناك فيما جئتنا به من عند الله ، كَلاّ لنختبرهم ، ليتبين الصادق منهم من الكاذب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله آمّنا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : يُبْتلَون في أنفسهم وأموالهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ : أي لا يُبْتَلَون .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد ، في قوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ قال : لا يُبْتَلَون .

فَأَنِ الأولى منصوبة بحسب ، والثانية منصوبة في قول بعض أهل العربية ، بتعلق يتركوا بها ، وأن معنى الكلام على قوله أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا آمنا فلما حذفت اللام الخافضة من لأَنْ ، نصبت على ما ذكرت . وأما على قول غيره فهي في موضع خفض بإضمار الخافض ، ولا تكاد العرب تقول : تركت فلانا أن يذهب ، فتدخل أنْ في الكلام ، وإنما تقول : تركته يذهب ، وإنما أدخلت أن هاهنا لاكتفاء الكلام بقوله أنْ يُتْرَكُوا إذ كان معناه : أحسب الناس أن يُتركوا وهم لا يفتنون ، من أجل أن يقولوا آمنا ، فكان قوله : أنْ يُتْرَكُوا مكتفية بوقوعها على الناس ، دون أخبارهم . وإن جعلت «أن » في قوله أنْ يَقُولُوا منصوبة بنية تكرير أحسب ، كان جائزا ، فيكون معنى الكلام : أحسب الناس أن يُتركوا : أحسبوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

وهذه الآية نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة ، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام ، فكانت صدورهم تضيق لذلك{[2]} ، وربما استنكر أن يمكن الله الكفرة من المؤمنين قال مجاهد وغيره ، فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هي سيرة الله تعالى في عباده اختباراً للمؤمنين وفتنة ليعلم الصادق ويري ثواب الله له ويعلم الكاذب ويري عقابه إياه .

قال القاضي أبو محمد : وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب وفي هذه الجماعة فهي بمعناها باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، موجود حكمها بقية الدهر ، . وذلك أن الفتنة من الله تعالى والاختبار باق في ثغور المسلمين بالأسر ونكاية العدو وغير ذلك ، وإذا اعتبر أيضاً كل موضع ففيه ذلك بالأمراض وأنواع المحن ولكن التي تشبه نازلة المؤمنين مع قريش هي ما ذكرناه من أمر العدو في كل ثغر{[3]} ، وقال عبد الله بن عبيد بن عمير : نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر إذا كان يعذب في الله تعالى ونظرائه ، وقال الشعبي : سبب الآية ما كلفه المؤمنون من الهجرة ، فهي الفتنة التي لم يتركوا دونها ، لا سيما وقد لحقهم بسببها أن اتبعهم الكفار وردوهم وقاتلوهم ، فقتل من قتل ونجا من نجا ، وقال السدي : نزلت في مسلمين كانوا بمكة وكرهوا الجهاد والقتال حين فرض على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، و «حسب » ، معناه ظن ، و { أن } نصب ب «حسب » وهي والجملة التي بعدها تسد مسد مفعولي «حسب » و { أن } الثانية في موضع نصب على تقدير إسقاط حرف الخفض تقديره «بأن يقولوا » ويحتمل أن يقدر «لأن يقولوا » والمعنى في الباء واللام مختلف وذلك أنه في الباء كما تقول تركت زيداً بحاله ، وهي في اللام بمعنى من أجل أن حسبوا أن إيمانهم علة للترك .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

الاستفهام في { أحسب } مستعمل في الإنكار ، أي إنكار حسبان ذلك . وحسب بمعنى ظن ، وتقدم في قوله تعالى { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة } في سورة [ البقرة : 214 ] . والمراد بالناس كل الذين آمنوا ، فالقول كناية عن حصول المقول في نفس الأمر ، أي أحَسِبَ الناس وقوع تركهم لأن يقولوا آمنا ، فقوله { أن يتركوا } مفعول أول ل { حسب } . وقوله { أن يقولوا ءامنا } شِبه جملة في محل المفعول الثاني وهو مجرور بلام جر محذوف مع ( أن ) حذفاً مطرداً ، والتقدير : أَحَسِبَ الناس تركهم غير مفتونين لأجل قولهم : آمنا ، فإن أفعال الظن والعلم لا تتعدى إلى الذوات وإنما تتعدى إلى الأحوال والمعاني وكان حقها أن يكون مفعولها واحداً دالاً على حالة ، ولكن جرى استعمال الكلام على أن يجعلوا لها اسم ذات مفعولاً ، ثم يجعلوا ما يدل على حالة للذات مفعولاً ثانياً . ولذلك قالوا : إن مفعولي أفعال القلوب ( أي العلم ونحوه ) أصلهما مبتدأ وخبر .

والترك : عدم تعهد الشيء بعد الاتصال به .

والترك هنا مستعمل في حقيقته لأن الذين آمنوا قد كانوا مخالطين للمشركين ومن زمرتهم ، فلما آمنوا اختصوا بأنفسهم وخالفوا أحوال قومهم وذلك مظنة أن يتركهم المشركون وشأنهم ، فلما أبى المشركون إلا منازعتهم طمعاً في إقلاعهم عن الإيمان وقع ذلك منهم موقع المباغتة والتعجب ، وتقدم الترك المجازي في قوله تعالى { وتَرَكَهُم في ظلمات لا يبصرون } أوائل [ البقرة : 17 ] .

و { أن يقولوا } في موضع نصب على نزع الخافض الذي هو لام التعليل . والتقدير : لأجل أن يقولوا آمنا .

وجملة { وهم لا يفتنون } حال ، أي لا يحسبوا أنهم سالمون من الفتنة إذا آمنوا .

والفتن والفتون : فساد حال الناس بالعدوان والأذى في الأنفس والأموال والأهلين . والاسم : الفتنة ، وقد تقدم عند قوله تعالى { إنما نحن فتنة فلا تكفر } في سورة [ البقرة : 102 ] .

وبناء فعلي { يُتركوا- ويُفتنون } للمجهول للاستغناء عن ذكر الفاعل لظهور أن الفاعل قوم ليسوا بمؤمنين ، أي أن يتركوا خالين عن فتون الكافرين إياهم لما هو معروف من الأحداث قبيل نزولها ، ولما هو معلوم من دأب الناس أن يناصبوا العداء من خالفهم في معتقداتهم ومن ترفع عن رذائلهم . والمعنى : أحَسِبَ الذين قالوا آمنا أن يتركهم أعداء الدين دون أن يفتنوهم . ومن فسروا الفتون هنا بما شمل التكاليف الشاقة مثل الهجرة والجهاد قد ابتعدوا عن مهيع المعنى و اللفظ وناكدوا ما تفرع عنه من قوله { فليعلمَنّ الله الذين صدقوا وليعلَمَنّ الكاذبين } [ العنكبوت : 3 ] .

وإنما لم نقدر فاعل { يتركوا } و { يفتنون } أنه الله تعالى تحاشا مع التشابه مع وجود مندوحة عنه .

وهذه الفتنة مراتب أعظمها التعذيب كما فعل ببلال ، وعمار بن ياسر وأبويه .