غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

1

ومعنى الآية راجع إلى أن الناس لا يتركون بمجرد التلفظ بكلمة الإِيمان بل يؤمرون بأنواع التكاليف . واختلفوا في سبب نزولها فقيل : نزلت في عمار بن ياسر والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وكانوا يعذبون بمكة . وقيل : نزلت في أقوام هاجروا وتبعهم الكفار فاستشهد بعضهم ونجا الباقون . وقيل : في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب وهو أول قتيل من المسلمين ، رماه عامر بن الحضرمي يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيد الشهداء مهجع ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة . قال جار الله : مفعولا الحسبان الترك وعلته والتقدير : أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا . قال : والترك بمعنى التصيير . فقوله { وهم لا يفتنون } حال سدّ مسدّ ثاني مفعوليه . وقال آخرون : تقديره أحسبوا أنفسهم متروكة غير مفتونين لأن { قالوا آمنا } وأقول : إن من خواص " أن " مع الفعل و " أن " مع جزأيه سدّها مسدّ مفعولي أفعال القلوب ، والحكم بأن الترك ههنا بمعنى التصيير غير لازم يؤيد ما ذكرناه من المعنيين قوله سبحانه في موضع آخر { أم حسبتم أن تتركوا } [ التوبة : 16 ] والفتنة الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان وكل ما يحب ويستلذ ، ومن ملاقاة الأعداء والمصابرة على أذاهم وسائر ما تكرهه النفس . والتحقيق أن المقصود من خلق البشر هو العبادة الخالصة لله . فإذا قال باللسان : آمنت فقد ادعى طاعة الله بالجنان فلابدّ له من شهود وهو الإتيان بالأركان ، وإذا حصل الشهود فلا بدلا له من مزك وهو بذل النفس والمال في سبيل الرحمن . فمعنى الآية : أحسبوا أن يقبل منهم دعواهم بلا شهود وشهود بلا مزك ؟ أو المراد أحسبوا أن يتركوا في أول المقامات لا بل ينقلون إلى أعلى الدرجات وهو مقام الإخلاص والقربات ؟

/خ15