فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

والاستفهام في قوله : { أَحَسِبَ الناس } للتقريع والتوبيخ ، و{ أَن يُتْرَكُواْ } في موضع نصب بحسب ، وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قول سيبويه والجمهور ، و { أَن يَقُولُواْ } في موضع نصب على تقدير : لأن يقولوا ، أو بأن يقولوا ، أو على أن يقولوا وقيل : هو بدل من أن يتركوا ، ومعنى الآية : أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء { أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } أي وهم لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم ، وليس الأمر كما حسبوا ، بل لابد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق ، والصادق من الكاذب ، فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان واستبعاده ، وبيان أنه لابد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها . قال الزجاج : المعنى أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا : إنا مؤمنون فقط ، ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم ؟ وهو قوله : { أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } . قال السدّي وقتادة ومجاهد : أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب ، وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه ، وظاهرها شمول كلّ الناس من أهل الإيمان ، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرّة . قال ابن عطية : وهذه الآية وإن كانت نازلة في سبب خاص ، فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر ، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر ، ونكاية العدوّ وغير ذلك .

/خ13