بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

{ أَحَسِبَ الناس } يعني : أيظن الناس { أَن يُتْرَكُواْ } يعني : أن يمهلوا { أَن يقولوا آمنا } أي صدقنا { وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } يعني : لا يبتلون قال في رواية الكلبي لما نزلت هذه الآية { قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظر كَيْفَ نُصَرِّفُ الايات لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 65 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يَا جِبْرِيلُ ما بَقَاءُ أمَّتِي عَلَى هذا » فقال له جبريل عليه السلام : فادع الله لأمتك ، فقام فتوضأ ، ثم صلى ركعتين ، ثم سأل ربه عز وجل أن لا يبعث عليهم العذاب . قال : فنزل جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد إن الله عز وجل قد أجار أمتك من خصلتين ، وألزمهم خصلتين ، قال : فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم صلى ، فأحسن الصلاة ، ثم سأل ربه عز وجل لأمته أن لا يلبسهم شيعاً ، ولا يذيق بعضهم بأس بعض ، فنزل جبريل عليه السلام ، فقال : يا محمد قد سمع الله عز وجل مقالتك ، فإنه يقول ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك ، فصدقهم مصدقون ، وكذبهم مكذبون ، ثم لم يمنعنا أن نبتليهم بعد قبض أنبيائهم ببلاء يعرف فيه الصادق من الكاذب ، ثم نزل قوله عز وجل { الم * أَحَسِبَ الناس أن يتركوا } الآية .

قال مقاتل في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أول قتيل قتل من المسلمين يوم بدر ، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة ، فجزع أبواه وامرأته ، وقد كان الله بيّن للمسلمين أنه لا بد لهم من البلاء والمشقة في ذات الله عز وجل فنزل { الم * أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ } .

وقال بعضهم : لما أصيب المسلمون يوم أحد ، وكانت الكرة عليهم ، فعيرهم اليهود والنصارى والمشركون ، فشقّ ذلك على المسلمين ، فنزلت هذه الآية . ويقال : نزلت في عباس بن أبي ربيعة ، وفي نفر معه أخذهم المشركون وعذبوهم على الإسلام ، فنزلت هذه الآية . ويقال : نزلت في جمع المسلمين . ومعناه : أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ، ثم لا يفرض عليهم الفرائض . وقال الزجاج : هذا اللفظ لفظ الاستخبار ، والمعنى تقرير وتوبيخ ، معنى أحسب الناس أن يقنع منهم ؛ بأن يقولوا : آمنا فقط ، ولا يختبروا ويقال : أن لا يعذبوا في الدنيا .