السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ} (2)

ولما قال تعالى في آخر السورة المتقدّمة { وادع إلى ربك } ( القصص : 87 ) وكان في الدعاء إليه الحراب والضراب والطعان لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا مأمورين بالجهاد فشق على البعض ذلك فقال تعالى : { أحسب الناس } أي : كافةً { أن يتركوا } أي : أظنوا أنهم يتركون بغير اختبار وابتلاء في وقت ما بوجه من الوجوه .

تنبيه : أن يتركوا سدّ مسدّ مفعولي حسب عند الجمهور { أن } أي : بأن { يقولوا } أي : بقولهم { آمنا وهم } أي : والحال أنهم { لا يفتنون } أي : يختبرون بما تتميز به حقية إيمانهم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات وأنواع المصائب في الأنفس والأموال ليتبين المخلص من المنافق ، والصادق من الكاذب ، ولينالوا بالصبر عليها عوالي الدرجات فإنّ مجرد الإيمان وإن كان عن خلوص لا يقتضي غير الخلاص من الخلود في العذاب .

واختلفوا في سبب نزول هذه الآية : فقال الشعبي : نزلت في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام ثم هاجروا فتبعهم الكفار فمنهم من قتل ومنهم من نجا فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين .

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إنها نزلت في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام كانوا يعذبون بمكة .

وقال ابن جريج : نزلت في عمار بن ياسر كان يعذب في الله عز وجل .

وقال مقاتل : نزلت في مهجع بن عبد الله مولى عمر كان أوّل قتيل قتل من المسلمين يوم بدر فقال صلى الله عليه وسلم : «سيد الشهداء مهجع وهو أوّل من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة » فجزع عليه أبواه وامرأته فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقيل وهم لا يفتنون بالأوامر والنواهي وذلك أنّ الله تعالى أمرهم في الابتداء بمجرد الإيمان ثم فرض عليهم الصلاة والزكاة وسائر الشرائع فشق على بعض فأنزل الله تعالى هذه الآية