معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

قوله تعالى : { قل هل من شركائكم من يهدي } ، يرشد ، { إلى الحق } ، فإذا قالوا : لا - ولا بد لهم من ذلك – { قل الله يهدي للحق } ، أي إلى الحق . { أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي } ، قرأ حمزة والكسائي : ساكنة الهاء ، خفيفة الدال ، وقرأ الآخرون : بتشديد الدال ، ثم قرأ أبو جعفر ، وقالون : بسكون الهاء ، وأبو عمرو بروم الهاء بين الفتح والسكون ، وقرأ حفص : بفتح الياء وكسر الهاء ، وأبو بكر بكسرهما ، والباقون بفتحهما ، ومعناه : يهتدي- في جميعها - فمن خفف الدال ، قال : يقال : هديته فهدى ، أي : اهتدى ، ومن شدد الدال أدغم التاء في الدال ، ثم أبو عمرو يروم عل مذهبه في إيثار التخفيف ، ومن سكن الهاء تركها على حالتها كما فعل في تعدوا و يخصمون ، ومن فتح الهاء نقل فتحة التاء المدغمة إلى الهاء ، ومن كسر الهاء فلالتقاء الساكنين ، قوال الجزم يحرك إلى الكسر ، ومن كسر الياء ، مع الهاء أتبع الكسرة الكسرة .

قوله تعالى : { إلا أن يهدى } ، معنى الآية : الله الذي يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الصنم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى ؟ . فإن قيل : كيف قال : { إلا أن يهدى } ، والصنم لا يتصور أن يهتدي ولا أن يهدى ؟ قيل : معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال ، أي : أنها لا تنتقل من كانت إلى مكان إلا أن تحمل وتنقل ، يتبين به عجز الأصنام . وجواب آخر وهو : أن ذكر الهداية على وجه المجاز ، وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر عمن يعلم ويعقل ، ووصفت بصفة من يعقل .

{ فما لكم كيف تحكمون } ، كيف تقضون حين زعمتم أن لله شريكا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ْ } ببيانه وإرشاده ، أو بإلهامه وتوفيقه .

{ قُلِ اللَّهُ ْ } وحده { يَهْدِي لِلْحَقِّ ْ } بالأدلة والبراهين ، وبالإلهام والتوفيق ، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق .

{ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي ْ } أي : لا يهتدي { إِلَّا أَنْ يُهْدَى ْ } لعدم علمه ، ولضلاله ، وهي شركاؤهم ، التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ْ } أي : أيّ شيء جعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل ، بصحة عبادة أحد مع الله ، بعد ظهور الحجة والبرهان ، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده .

فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله أوصافا معنوية ، ولا أوصافا فعلية ، تقتضي أن تعبد مع الله ، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها ، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة ؟

فالجواب : أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان ، أقبح البهتان ، وأضل الضلال ، حتى اعتقد ذلك وألفه ، وظنه حقًا ، وهو لا شيء . ولهذا قال : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

وقوله : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يهدي إِلَى الحق قُلِ الله يَهْدِي لِلْحَقّ } . حجة أخرى تدمغ جهلهم ، جيء بها لتكون دليلا على قدرة الله على الهداية والإِضلال ، عقب إقامة الأدلة على قدرته - سبحانه - على بدء الخلق وإعادتهم .

أى : قل لهم يا محمد - أيضا - على سبيل التهم من أفكارهم : هل من شركائكم من يستطيع أن يهدي غيره إلى الدين الحق ، فينزل كتاباً ، أو يرسل رسولا ، أو يشرع شريعة ، أو يضع نظاما دقيقا لهذا الكون .

أو يحث العقول على التدبر والتفكر في ملكوت السموات والأرض . . . ؟

قل لهم يا محمد : الله وحده هو الذي يعفل كل ذلك ، أما شركاؤكم فلا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من ذلك أو من غيره .

وقوله : { أَفَمَن يهدي إِلَى الحق أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يهدي . . . } توبيخ آخرلهم على جهالاتهم وغفلتهم عن إدراك الأمور الواضحة .

أى : قل لهم يا محمد : أفمن يهدي غيره إلى الحق وهو الله - تعالى - . أحق أن يتبع فيما يأمر به وينهى عنه ، أم من لا يستطيع أت يهتدي بنفسه إلا أن يهديه غيره أحق بالاتباع ؟ لا شك أن الذي يهدي غيره إلى الحق أحق بالاتباع من الذي هو في حاجة إلى أن يهديه غيره .

وقوله : { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } استفهام قصد به التعجيب من أحوالهم التي تدعو إلى الدهشة والغرابة .

أى : ما الذي وقع لكم ، وما الذي أصابكم في عقولكم حتى صرتم تشركون في العبادة مع الله الخالق الهادي ، مخلوقات لا تهدي بنفسها وإنما هي في حاجة إلى من يخلقها ويهديها .

قال الإِمام الرازي : " واعلم أن الاستدلال على وجود الصانع بالخلق أولا ثم بالهداية ثانيا ، عادة مطردة في القرآن ، فقد حكى - سبحانه - عن إبراهيم أنه ذكر ذلك فقال : { الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } وعن موسى أنه قال : { رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى } وأمر محمدا - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : { سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى . الذي خَلَقَ فسوى . والذي قَدَّرَ فهدى } وهو في الحقيقة دليل شريف ، لأن الإِنسان له جسد وله روح ، فالاستدلال على وجود الصانع بأحوال الجسد هو الخلق ، والاستدلال بأحوال الروح هوالهداية ، فها هنا أيضا لما ذكر دليل الخلق في الآية الأولى وهو قوله : { مَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ } أتبعه بدليل الهداية في هذه الآية .

وقوله : { أَمَّن لاَّ يهدي } ورد فيه ست قراءات ، منها قراءة يعقوب وحفص بكسر الهاء وتشديد الدال ، ومنها قراءة حمزة والكسائيل بالتخفيف كيرمي ، ومنها قراءة ابن كثير وابن عامر وورش عن نافع " يهدي " فتح الياء والهاء وتشديد الدال . .

والاستثناء في قوله : { أَمَّن لاَّ يهدي إِلاَّ أَن يهدى } مفرغ من أعم الأحوال .

والتقدير : أفمن يهدي إلى الحق أحق بالاتباع ، أم من لا يستطعي الهداية إلا أن يهديه إليها غيره أحق بالاتباع ؟

وجاء قوله - سبحانه - { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } باستفهامين متواليين ، زيادة في توبيخهم وتقريعهم ، ولفت أنظارهم إلى الحق الواضح الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

26

( قل : هل من شركائكم من يهدي إلى الحق ? ) . .

فينزل كتاباً ، ويرسل رسولاً ، ويضع نظاماً ، ويشرع شريعة ، وينذر ويوجه إلى الخير ؛ ويكشف عن آيات الله في الكون والنفس ؛ ويوقظ القلوب الغافلة ، ويحرك المدارك المعطلة . كما هو معهود لكم من الله ومن رسوله الذي جاءكم بهذا كله وعرضه عليكم لتهتدوا إلى الحق ? وهذه قضية ليست من سابق مسلماتهم ، ولكن وقائعها حاضرة بين أيديهم . فليقررها لهم الرسول [ ص ] وليأخذهم بها :

( قل : الله يهدي للحق ) . .

ومن هذه تنشأ قضية جديدة ، جوابها مقرر :

( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ? أم من لا يهدي إلا أن يهدى ? ) . .

والجواب مقرر . فالذي يهدي الناس إلى الحق أولى بالاتباع ، ممن لا يهتدي هو بنفسه إلا أن يهديه غيره . .

وهذا ينطبق سواء كان المعبودون حجارة أو أشجاراً أو كواكب . أو كانوا من البشر - بما في ذلك عيسى عليه السلام ، فهو ببشريته محتاج إلى هداية اللّه له ، وإن كان هو قد بعث هاديا للناس - ومن عدا عيسى عليه السلام أولى بانطباق هذه الحقيقة عليه :

( فما لكم ? كيف تحكمون ? ) . .

ما الذي وقع لكم وما الذي أصابكم ? وكيف تقدرون الأمور ، فتحيدون عن الحق الواضح المبين ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مّن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِيَ إِلَى الْحَقّ أَحَقّ أَن يُتّبَعَ أَمّن لاّ يَهِدّيَ إِلاّ أَن يُهْدَىَ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين هَلْ مِنْ شُركائِكم الذين تدعون من دون الله ، وذلك آلهتهم وأوثانهم ، مَنْ يَهْدِي إلى الحَقّ يقول : من يرشد ضالاّ من ضلالته إلى قصد السبيل ، ويسدّد جائزا عن الهدى إلى واضح الطريق المستقيم فإنهم لا يقدرون أن يدّعوا أن آلهتهم وأوثانهم ترشد ضالاّ أو تهدي حائرا . وذلك أنهم إن ادّعوا ذلك لها أكذبتهم المشاهدة وأبان عجزها عن ذلك الاختبار بالمعاينة ، فإذا قالوا لا وأقرّوا بذلك ، فقل لهم . فالله يهدي الضالّ عن الهدى إلى الحقّ . أفَمَنْ يَهْدِي أيها القوم ضالاّ إلى الحَقّ وجائرا عن الرشد إلى الرشد ، أحَقّ أنْ يُتّبَعَ إلى ما يدعو إليه أمْ مَنْ لا يَهْدِي إلاّ أنْ يُهْدَىَ ؟

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «أمْ مَنْ لا يَهْدّي » بتسكين الهاء وتشديد الدال ، فجمعوا بين ساكنين . وكأن الذي دعاهم إلى ذلك أنهم وجهوا أصل الكلمة إلى أنه : أم مَن لا يهتدي ، ووجدوه في خطّ المصحف بغير ما قرروا وأن التاء حذفت لما أدغمت في الدال ، فأقرّوا الهاء ساكنة على أصلها الذي كانت عليه ، وشدّدوا الدال طلبا لإدغام التاء فيها ، فاجتمع بذلك سكون الهاء والدال . وكذلك فعلوا في قوله : «وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدّوا في السّبْتِ » وفي قوله : يخَصّمونَ . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والشام والبصرة : «يَهَدّي » بفتح الهاء وتشديد الدال . وأمّوا ما أمّه المدنيون من الكلمة ، غير أنهم نقلوا حركة التاء من «يهتدي » إلى الهاء الساكنة ، فحرّكوا بحركتها وأدغموا التاء في الدال فشدّدوها . وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة : يَهِدّي بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال ، بنحو ما قصده قرّاء أهل المدينة غير أنه كسر الهاء لكسرة الدال من «يهتدي » استثقالاً للفتحة بعدها كسرة في حرف واحد . وقرأ ذلك بعض عامة قرّاء الكوفيين : «أمْ مَنْ لا يَهْدِي » بتسكين الهاء وتخفيف الدال ، وقالوا : إن العرب تقول : هديت بمعنى اهتديت ، قالوا : فمعنى قوله : أم مَنْ لا يَهْدِي : أم من لا يهتدي إلاّ أنْ يُهْدَى .

وأولى القراءة في ذلك بالصواب قراءة من قرأ : «أمْ مَنْ لا يَهَدّي » بفتح الهاء وتشديد الدال ، لما وصفنا من العلة لقارىء ذلك كذلك ، وأن ذلك لا يدفع صحته ذو علم بكلام العرب وفيهم المنكر غيره ، وأحقّ الكلام أن يقرأ بأفصح اللغات التي نزل بها كلام الله تبارك وتعالى .

فتأويل الكلام إذا : أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتبع ، أم من لا يهتدي إلى شيء إلا أن يُهْدَى .

وكان بعض أهل التأويل يزعم أن معنى ذلك : أم من لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلا أن ينقل .

وكان مجاهد يقول في تأويل ذلك ما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : «أفمَنْ يَهْدِي إلى الحَقّ أحَقّ أنْ يُتّبَعَ أمْ مَنْ لا يَهِدّي إلاّ أنْ يُهْدَىَ » قال : الأوثان ، الله يهدي منها ومن غيرها من شاء لما شاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : «أمّنْ لا يهَدّي إلاّ أنْ يُهْدَىَ » قال : قال : الوثن .

وقوله : فمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ألا تعلمون أن من يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتبع من الذي لا يهتدي إلى شيء إلا أن يهديه إليه هاد غيره ، فتتركوا اتباع من لا يهتدي إلى شيء وعبادته وتتبعوا من يهديكم في ظلمات البرّ والبحر وتخلصوا له العبادة فتفردوه بها وحده دون ما تشركونه فيها من آلهتكم وأوثانكم ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ هَلۡ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّۚ قُلِ ٱللَّهُ يَهۡدِي لِلۡحَقِّۗ أَفَمَن يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّيٓ إِلَّآ أَن يُهۡدَىٰۖ فَمَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ} (35)

وقوله تعالى { قل هل من شركائكم من يهدي } الآية ، { يهدي إلى الحق } يريد به : يبين الطرق والصواب ويدعو إلى العدل ويفصح بالآيات ونحو هذا ، ووصف الأصنام بأنها لا تهدي إلا أن تهدى ، ونحن نجدها لا تهتدي وإن هديت ، فوجه ذلك أنه عامل في العبارة عنها معاملتهم في وصفها بأوصاف من يعقل وذلك مجاز وموجود في كثير من القرآن ، وذكر ذلك أبو علي الفارسي ، والذي أقول : أن قراءة حمزة والكسائي تحتمل أن يكون المعنى أمن لا يهدي أحداً إلا أن يهدى ذلك الأحد بهداية من عند الله ، وأما على غيرها من القراءات التي مقتضاها «أمن لا يهتدي إلا أن يهدى » فيتجه المعنى على ما تقدم لأبي علي الفارسي ، وفيه تجوز كثير ، وقال بعضهم : هي عبارة عن أنها لا تنتقل إلا أن تنقل ، ويحتمل أن يكون ما ذكر الله من تسبيح الجمادات هو اهتداؤها ويحتمل أن يكون الاستثناء في اهتدائها إلى مناكرة الكفار يوم القيامة ، حسبما مضى في هذه السورة ، وقراءة حمزة والكسائي هي «يَهْدي » بفتح الياء وسكون الهاء ، وقرأ نافع وأبو عمرو وشيبة والأعرج وأبو جعفر «يَهْدّي » بسكون الهاء وتشديد الدال{[6106]} ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «يَهَدي » بفتح الياء والهاء ، وهذه أفصح القراءات ، نقلت حركة تاء «يهتدي » إلى الهاء وأدغمت التاء في الدال ، وهذه رواية ورش عن نافع وقرأ عاصم في رواية حفص «يَهِدّي » بفتح الياء وكسر الهاء وشد الدال ، أتبع الكسرة الكسرة ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر ، «يِهِدّي » بكسر الياء والهاء وشد الدال وهذا أيضاً إتباع وقال مجاهد : الله يهدي من الأوثان وغيرها ما شاء .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وقرأ يحيى بن الحارث الزماري . «إلا أن يهَدّي » بفتح الهاء وشد الدال ، ووقف القراء { فما لكم } ، ثم يبدأ { كيف تحكمون }{[6107]} .


[6106]:- قال أبو حيان في "البحر": "فجمعوا بين ساكنين"، قال النحاس: "لا يقدر أحد أن ينطق به"، وقال المبرد: من رام هذا لابد أن يحرك حركة خفيفة، وسيبويه يسمى هذا: اختلاس الحركة.
[6107]:- فيكون قوله تعالى: {فما لكم} كلام تام معناه: أي شيء لكم في عبادة الأوثان؟ ثم قيل لهم: {كيف تحكمون} لأنفسكم وتقضون بهذا الباطل الصراح فتعبدون آلهة لا تغني عن أنفسها شيئا، و[كيف] منصوبة بـ[تحكمون]، فالجملة الأولى وهي [مالكم] استفهام معناه الإنكار والتعجب، والجملة الثانية وهي: {كيف تحكمون} استفهام آخر فيه معنى الإنكار والتعجب، وسبب التعجب في الإستفهامين مختلف.