قوله تعالى : { ومن أظلم ممن افترى } ، أي : اختلق .
قوله تعالى : { على الله كذباً } ، فزعم أن الله تعالى بعثه نبياً .
قوله تعالى : { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } ، قال قتادة : نزلت في مسيلمة الكذاب ، وكان يسجع ويتكهن ، فادعى النبوة ، وزعم أن الله أوحى إليه ، وكان قد أرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما : أتشهدان أن مسيلمة نبي ؟ قالا : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما .
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أنا أبو طاهر الزيادي ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، أنا أحمد بن يوسف السلمي ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن همام بن منبه ، أنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بينما أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض ، فوضع في يدي سواران من ذهب ، فكبرا علي ، وأهماني ، فأوحي إلى أن انفخهما ، فنفختهما فذهب . فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما ، صاحب صنعاء وصاحب اليمامة ) .
أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي ، وبصاحب اليمامة مسيلمة الكذاب .
قوله تعالى : { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } ، قيل : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وكان قد أسلم ، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا أملى عليه : سميعاً بصيراً ، كتب عليماً حكيماً ، وإذا قال : عليماً حكيماً ، كتب : غفوراً رحيماً ، فلما نزلت : { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [ المؤمنون :12 ] أملاها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان ، فقال : تبارك الله أحسن الخالقين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتبها فهكذا نزلت ، فشك عبد الله ، وقال : لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، فارتد عن الإسلام ، ولحق بالمشركين ، ثم رجع عبد الله إلى الإسلام قبل فتح مكة ، إذ نزل النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران . وقال ابن عباس : قوله : { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } ، يريد المستهزئين ، وهو جواب لقولهم : { لو نشاء لقلنا مثل هذا } .
قوله تعالى : { ولو ترى } ، يا محمد .
قوله تعالى : { إذ الظالمون في غمرات الموت } ، سكراته ، وهي جمع غمرة ، وغمرة كل شيء معظمه ، وأصلها : الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها ، ثم وضعت في موضع الشدائد والمكاره .
قوله تعالى : { والملائكة باسطوا أيديهم } ، بالعذاب والضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم ، وقيل بقبض الأرواح .
قوله تعالى : { أخرجوا } ، أي : يقولون أخرجوا .
قوله تعالى : { أنفسكم } ، أي : أرواحكم كرهاً ، لأن نفس المؤمن تنشط للقاء ربه ، والجواب محذوف ، يعني : لو تراهم في هذه الحال لرأيت عجباً .
قوله تعالى : { اليوم تجزون عذاب الهون } ، أي : الهوان .
قوله تعالى : { بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } ، تتعظمون عن الإيمان بالقرآن ولا تصدقونه .
{ 93 - 94 } { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ }
يقول تعالى : لا أحد أعظم ظلما ، ولا أكبر جرما ، ممن كذب [ على ] الله . بأن نسب إلى الله قولا أو حكما وهو تعالى بريء منه ، وإنما كان هذا أظلم الخلق ، لأن فيه من الكذب ، وتغيير الأديان أصولها ، وفروعها ، ونسبة ذلك إلى الله -ما هو من أكبر المفاسد .
ويدخل في ذلك ، ادعاء النبوة ، وأن الله يوحي إليه ، وهو كاذب في ذلك ، فإنه - مع كذبه على الله ، وجرأته على عظمته وسلطانه- يوجب على الخلق أن يتبعوه ، ويجاهدهم على ذلك ، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم .
ويدخل في هذه الآية ، كل من ادعى النبوة ، كمسيلمة الكذاب والأسود العنسي والمختار ، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف .
{ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ْ } أي : ومن أظلم ممن زعم . أنه يقدر على ما يقدر الله عليه ويجاري الله في أحكامه ، ويشرع من الشرائع ، كما شرعه الله . ويدخل في هذا ، كل من يزعم أنه يقدر على معارضة القرآن ، وأنه في إمكانه أن يأتي بمثله . وأي : ظلم أعظم من دعوى الفقير العاجز بالذات ، الناقص من كل وجه ، مشاركةَ القوي الغني ، الذي له الكمال المطلق ، من جميع الوجوه ، في ذاته وأسمائه وصفاته ؟ "
ولما ذم الظالمين ، ذكر ما أعد لهم من العقوبة في حال الاحتضار ، ويوم القيامة فقال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ْ } أي : شدائده وأهواله الفظيعة ، وكُرَبه الشنيعة –لرأيت أمرا هائلا ، وحالة لا يقدر الواصف أن يصفها .
{ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ ْ } إلى أولئك الظالمين المحتضرين بالضرب والعذاب ، يقولون لهم عند منازعة أرواحهم وقلقها ، وتعصيها للخروج من الأبدان : { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ْ } أي : العذاب الشديد ، الذي يهينكم ويذلكم والجزاء من جنس العمل ، فإن هذا العذاب { بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ْ } من كذبكم عليه ، وردكم للحق ، الذي جاءت به الرسل . { وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ْ } أي : تَرَفَّعون عن الانقياد لها ، والاستسلام لأحكامها . وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه ، فإن هذا الخطاب ، والعذاب الموجه إليهم ، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده .
وفيه دليل ، على أن الروح جسم ، يدخل ويخرج ، ويخاطب ، ويساكن الجسد ، ويفارقه ، فهذه حالهم في البرزخ .
وأما يوم القيامة ، فإنهم إذا وردوها ، وردوها مفلسين فرادى بلا أهل ولا مال ، ولا أولاد ولا جنود ، ولا أنصار ، كما خلقهم الله أول مرة ، عارين من كل شيء .
فإن الأشياء ، إنما تتمول وتحصل بعد ذلك ، بأسبابها ، التي هي أسبابها ، وفي ذلك اليوم تنقطع جميع الأمور ، التي كانت مع العبد في الدنيا ، سوى العمل الصالح والعمل السيء ، الذي هو مادة الدار الآخرة ، الذي تنشأ عنه ، ويكون حسنها وقبحها ، وسرورها وغمومها ، وعذابها ونعيمها ، بحسب الأعمال . فهي التي تنفع أو تضر ، وتسوء أو تسر ، وما سواها من الأهل والولد ، والمال والأنصار ، فعواري خارجية ، وأوصاف زائلة ، وأحوال حائلة ، ولهذا قال تعالى :
وبعد أن بين - سبحانه - مزايا هذا القرآن أتبع ذلك ببيان عاقبة الذين يفترون الكذب على الله - تعالى - ، وصور أحوالهم عند النزع الأخير وعندما يقفون أمام ربهم للحساب بصورة ترتجف لها الأفئدة فقال - تعالى - :
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } .
والمعنى لا أحد أشد ظلما ممن اختلق الكذب على الله فجعل له شركاء من خلقه ، وأنكر ما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم من هدايات ، وحلل وحرم بهواه ما لم يأذن به الله .
والاستفهام إنكارى فهو فى معنى النفى . و { مَنْ } اسم موصول والمراد به الجنس . أى : كل من افترى على الله كذبا ، وليس المراد فردا معينا .
{ أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ } أى : قال بأن الله أوحى إلى بالرسالة أو النبوة مع أنه كاذب فى دعواه ، فإن الله ما أوحى إليه شيئا ، وهذا يصدق على ما ادعاه مسيلمة الكذاب والأسود العنسى من أنهما نبيان يوحى إليهما .
ويصدق - أيضاً - على كل مدع للوحى والنبوة فى كل زمان ومكان .
وهذه الجملة الكريمة معطوفة على صلة { مَنْ } من عطف الخاص على العام ، لأن هذا القول هو نوع من أنواع افتراء الكذب .
{ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ الله } أى : ولا أحد أظلم - أيضاً - ممن قال بأنى قادر على أن أنزل قرآنا مثل الذى أنزله الله كالذين حكى القرآن عنهم قوله : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هاذآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأولين } وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد توعدت بأشد ألوان الوعيد كل مفتر على الله الكذب ، وكل مدع أنه يوحى إليه شىء وكل من زعم أنه فى قدرته أن يأتى بقرآن مثل هذا القرآن كما حدث من النضر بن الحارث وعبد الله بن سعد بن أبى سرح .
ثم بين - سبحانه - مصير كل ظالم أثيم فقال : { وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون فِي غَمَرَاتِ الموت } أى : ولو ترى أيها الرسول الكريم أو أيها العاقل حالة أولئك الظالمين وهم فى غمران الموت أى : فى شدائده وكرباته وسكراته لرأيت شيئا فظيعا هائلا ترتعد منه الأبدان ، فجواب الشرط محذوف .
والغمرات : جمع غمرة وهى الشدة . وأصلها الشىء الذى يغمر الأشياء فيغطيها ، يقال غمره الماء إذا علاه وستره ثم استعمل فى الشدائد والمكاره .
وتفييد الرؤية بهذا الوقت لإفادة أنه ليس المراد مجرد الرؤية ، بل المراد رؤيتهم على حال فظيعة عند كل ناظر .
وقوله { والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ أخرجوا أَنْفُسَكُمُ } أى والملائكة الموكلون بقبض أرواحهم باسطوا أيديهم إليهم بالإماتة والعذاب قائلين لهم على سبيل التوبيخ والزجر : أخرجوا إلينا أرواحكم من أجسادكم .
والأمر هنا للتعجيز أى : أخرجوا أنفسكم من هذا العذاب إن استطعتم إلى ذلك سبيلا .
قال الآلوسى : وذهب بعضهم إلى أن هذا تمثيل لفعل الملائكة فى قبض أرواح الظلمة بفعل الغريم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه فى المطالبة ولا يمهله ويقول له : أخرج مالى عليك الساعة ولا أبرح مكانى حتى انتزعه منك . وفى الكشاف : أنه كناية عن العنف فى السياق والإلحاح والتشديد فى الإزهاق من غير تنفيس وإمهال ولا بسط ولا قول حقيقة هناك واستظهر ابن المنير أنهم يفعلون معهم هذه الأمور حقيقة على الصور المحكية وإذا أمكن البقاء على الحقيقة فلا معدل عنها " .
ولعل مما يؤيد قول ابن المنير فى تعليقه على ما قال صاحب الكشاف ما جاء فى آية أخرى وهى قوله - تعالى - { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } وقوله : { اليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ } هذا القول من تتمة ما تقوله الملائكة لأولئك الظالمين .
أى : تقول لهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تلقون عذاب الذل والهوان لا بظلم من الرحمن ، وإنما بسبب أنكم كنتم فى ديناكم تفترون على الله الكذب ، وبسبب أنكم كنتم معرضين عن آياته ، مستكبرين عنها ولا تتأملون فيها ، ولا تعتبرون بها .
والمراد باليوم مطلق الزمن لا اليوم المتعرف عليه ، وهو إما حين الموت أو ما يشمله وما بعده .
والهون معناه : الهوان والذل ، وفسره صاحب الكشاف ، بالهوان الشديد وقال : " وإضافة العذاب إليه كقولك ، رجل سوء يريد العراقة فى الهوان والتمكن فيه " .
ويختم هذه الجولة المتلاحقة الأشواط بمشهد حي شاخص متحرك مكروب رعيب . . مشهد الظالمين . . [ رأي المشركين ] الذين يفترون على الله الكذب ، أو يدعون أنهم أوحي إليهم ادعاء لا حقيقة له . أو يزعمون أنهم مستطيعون أن يأتوا بمثل هذا القرآن . . مشهد هؤلاء الظالمين - الذين لا يقاس إلى ظلمهم هذا ظلم - وهم في غمرات الموت ، والملائكة باسطو أيديهم إليهم بالعذاب ، ويطلبون أرواحهم . والتأنيب يجبه وجوههم ، وقد تركوا كل شيء وراءهم وضل عنهم شركاؤهم .
( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ، أو قال : أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ، ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ؟ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت ، والملائكة باسطو أيديهم : أخرجوا أنفسكم . اليوم تجزون عذاب الهون ، بما كنتم تقولون على الله غير الحق ، وكنتم عن آياته تستكبرون . ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ، وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ! لقد تقطع بينكم ، وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) . .
وقد ورد عن قتادة وابن عباس - رضي الله عنهم - أن الآية نزلت في مسيلمة الكذاب وسجاح بنت الحارث زوجته والأسود العنسي ؛ وهم الذين تنبأوا في حياة الرسول [ ص ] وادعوا أن الله أوحى إليهم . أما الذين قال سأنزل مثلما أنزل الله - أو قال أوحي إلي كذلك - ففي رواية عن ابن عباس أنه عبدالله بن سعد بن أبي سرح ، وكان أسلم وكتب الوحي لرسول الله [ ص ] وأنه لما نزلت الآية التي في " المؤمنون " : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) دعاه النبي [ ص ] فأملاها عليه فلما انتهى إلى قوله : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) عجب عبدالله في تفصيل خلق الإنسان فقال : ( تبارك الله أحسن الخالقين ) . فقال : رسول الله [ ص ] : " هكذا أنزلت علي " . . فشك عبدالله حينئذ وقال : لئن كان محمد صادقا لقد أوحى إلي كما أوحى إليه ، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال ! فارتد عن الإسلام ، ولحق بالمشركين . فذلك قوله : ( ومن قال : سأنزل مثل ما أنزل الله ) [ رواه الكلبي عن ابن عباس ] . .
والمشهد الذي يرسمه السياق في جزاء هؤلاء الظالمين [ أي المشركين ] مشهد مفزع مرعب مكروب مرهوب . الظالمون في غمرات الموت وسكراته - ولفظ غمرات يلقي ظله المكروب - والملائكة يبسطون إليهم أيديهم بالعذاب ، وهم يطلبون أرواحهم للخروج ! وهم يتابعونهم بالتأنيب :
( ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم : أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق ، وكنتم عن آياته تستكبرون . . )
وجزاء الاستكبار العذاب المهين ، وجزاء الكذب على الله هذا التأنيب الفاضح . . وكله مما يضفي على المشهد ظلالا مكروبة ، تأخذ بالخناق من الهول والكآبة والضيق !