إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً } فزعَم أنه تعالى بعثه نبياً كمسيلِمةَ الكذابِ والأسودِ العنسيِّ أو اختلق عليه أحكاماً من الحِلِّ والحُرمة كعَمْرِو بنِ لُحَيٍّ{[225]} ومتابعيه أي هو أظلمُ من كلِّ ظالمٍ وإن كان سبكُ التركيبِ على نفي الأظلمِ منه وإنكارِه من غير تعرضٍ لنفْي المساوي وإنكارِه فإن الاستعمالَ الفاشيَ في قولك : مَنْ أفضلُ من زيدٍ أو لا أكرمَ منه على أنه أفضلُ من كل فاضلٍ وأكرمُ من كل كريم ، وقد مر تمامُ الكلام فيه { أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَيّ } من جهته تعالى { وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ } أي والحال أنه لم يوح إليه { شيء } أصلاً ( كعبد اللَّه بنِ سعدِ بنِ أبي سَرْح كان يكتُب للنبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة من طِينٍ } فلما بلغ { ثُمَّ أنشأناه خلقاً آخر } [ المؤمنون ، الآية 14 ] قال عبد اللَّه : تبارك الله أحسنُ الخالقين تعجباً من تفصيل خلقِ الإنسان ثم قال عليه الصلاة والسلام : «اكتُبها كذلك » فشك عبدُ اللَّه وقال : لئن كان محمد صادقاً فقد أُوحيَ إلي كما أوحيَ إليه ولئن كان كاذباً فقد قلت كما قال ) . { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزلَ الله } كالذين قالوا : { لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا } [ الأنفال ، الآية 31 ] { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون } حُذف مفعولُ ترى لدِلالة الظرفِ عليه أي ولو ترى الظالمين إذ هم { في غَمَرَاتِ الموت } أي شدائده من غَمَره إذا غشِيَه { والملائكة بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ } بقبض أرواحِهم كالمتقاضي الملظ{[226]} المُلِحّ يبسُط يدَه إلى من عليه الحقُّ ويعنِّف عليه في المطالبة من غير إمهالٍ وتنفيسٍ ، أو باسطوها بالعذاب قائلين : { أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ } أي أخرجوا أرواحَكم إلينا من أجسادكم أو خلِّصوا أنفسكم من العذاب { اليوم } أي وقتَ الإماتة أو الوقتَ الممتدّ بعده إلى ما لا نهاية له { تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُون } أي العذابَ المتضمِّنَ لشدةٍ وإهانةٍ فإضافتُه إلى الهون وهو الهوانُ لعراقته فيه { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق } كاتخاذ الولد له ونسبةِ الشريك إليه وادعاءِ النبوة والوحيِ كاذباً { وَكُنتُمْ عَنْ آياته تَسْتَكْبِرُونَ } فلا تتأملون فيها ولا تؤمنون بها .


[225]:عمرو بن لحيّ بن حارثة بن عمرو الأزدي، من قحطان. أول من غيّر دين إسماعيل ودعا العرب إلى عبادة الأوثان. وخلاصة ما في خبره أنه كان قد تولى حجابة البيت الحرام بمكة، وزار بلاد الشام ودخل أرض "موآب" في وادي الأردن فوجد أهلها يعبدون الأصنام، فأعجب بأصنامهم فأخذ عددا منها فنصبها بمكة ودعا الناس إلى تعظيمها والاستشفاء بها، فكان أول من فعل ذلك من العرب.
[226]:ألظّ به: لزمه ولم يفارقه. وألظّ عليه: ألحّ.