بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

وقوله تعالى :

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِي إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء } نزلت في مسيلمة الكذاب زعم أن الله تعالى أوحى إليه وهو قوله { وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ الله } يعني : عبد الله بن أبي سرح كان كاتب الوحي فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه { سَمِيعاً عَلِيماً } يكتب عليماً حكيماً . وإذا أملى عليه عليماً حكيماً ، كتب هو سميعاً بصيراً وشكّ وقال : إن كان محمد صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فقد أوحي إليّ ، وإن كان ينزل إليه فقد أنزل إليّ مثل ما أنزل إليه فلحق بالمشركين وكفر . وقال الضحاك : هو مسيلمة الكذاب كان يقول : بعث محمد صلى الله عليه وسلم إلى جسيم الأمور ، وبعثت إلى محقرات الأمور . ويقال هذا جواب لقولهم : { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آياتنا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نشاء لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الأولين } [ الأنفال : 31 ] .

ثم قال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظالمون } يعني : ولو تعلم إذ الكافرون { فِي غَمَرَاتِ الموت } أي : في نزعات الموت وسكراته . فحذف الجواب لأن في الكلام دليلاً عليه . ومعناه : لو رأيتهم في عذاب شديد .

ثم قال : { والملائكة بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ } بالضرب . ويقولون : { أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ } يعني : أرواحكم الخبيثة قال الفقيه أبو جعفر . قال : حدّثنا أبو القاسم أحمد بن حسين . قال : حدّثنا محمد بن سلمة . قال : حدّثنا أبو أيوب عن القاسم بن الفضل الحداني عن قتادة عن أسامة بن زهير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنَّ المُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ المَوْتُ أتَتْهُ المَلائِكَةُ بحَرِيرَةٍ فيها مِسْكٌ ، ومِنْ ضَبَايِرِ الرَّيْحَانِ ، وَتُسَلُّ رُوحُهُ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ العَجِينِ ، ويقالُ لها : يا أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً وَمَرْضِيّاً عَنْكِ إلَى رُوحِ الله وَكَرَامَتِهِ ، فإذا خَرَجَتْ رُوحُهُ وُضِعَتْ عَلَى ذلك المِسْكِ والرَّيْحَانِ وَطُوِيَتْ عَلَيْهِ الحَرِيرَةُ وَبُعِثَ بِهَا إلى علِّيِّينَ وَإِنَّ الكافِرَ إذَا حُضِرَ أتَتْهُ المَلائِكَةُ بِمِسْحٍ فِيهِ جَمْرَةٌ ، فَتُنْتَزَعُ رُوحُهُ انْتِزَاعاً شَدِيداً . ويقالُ لَهَا : أيَّتُها النَّفْسُ الخَبِيثَةُ اخْرُجِي سَاخِطَةً وَمَسْخُوطَةً إلَى هَوَانِ الله وَعَذَابِهِ ، فإذا خَرَجَتْ رُوحُهُ وُضِعَتْ عَلَى تِلْكَ الجَمْرَةِ وإنَّ لَهَا نَشِيجاً وَيُطْوَى عَلَيْهَا المِسْحُ ، وَيُذْهَبُ بِهَا إلى سِجِّين »

ثم قال الله تعالى : { اليوم تُجْزَوْنَ } يعني إذا بعثوا يوم القيامة يقال لهم : اليوم تجزون { عَذَابَ الهون } يعني : الهوان أي الشديد { بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله } في الدنيا { غَيْرَ الحق } بأن معه شريكاً { وَكُنتُمْ عَنْ آياته تَسْتَكْبِرُونَ } يعني : عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن ، ولم تقرّوا به .