النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

قوله عز وجل : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيهِ شَيْءٌ } فيمن نزل فيه ذلك قولان :

أحدهما : أنه مسيلمة الكذاب ، قاله عكرمة .

والثاني : مسيلمة والعنسي ، قاله قتادة .

وقد روى معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ كَأَنَّ فِي يَديَّ سوَارَينِ مِن ذَهبٍ ، فَكَبُرَ عليَّ ، فَأُوحِي إِلَيَّ أَنْ أَنْفُخَهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا ، فَأَوَّلتُ ذَلِكََ كَذَّابَ اليَمَامَةِ وَكَذَّابَ صَنْعَاءَ العَنَسِي " .

{ وَمَن قَالَ سَأُنزِلَ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ } فيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : من تقدم ذكره من مدعي الوحي والنبوة .

والثاني : أنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، قاله السدي ، قال الفراء : كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال النبي : { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } كتب { سَمِيعٌ عَلِيمٌ } و { عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم : " هُمَا سَوَاء " حتى أملى عليه { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِن طِينٍ } إلى قوله : { خَلقاً آخَرَ } فقال ابن أبي سرح : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخَالقينَ } تعجباً من تفصيل خلق الإِنسان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هَكَذَا نَزَلَتْ " فشك وارتد{[918]} .

والثالث{[919]} : ما حكاه الحكم عن عكرمة : أنها نزلت في النضر بن الحارث ، لأنه عارض القرآن ، لأنه قال : والطاحنات طحناً ، والعاجنات عجناً ، والخابزات خبزاً ، فاللاقمات لقماً .

وفي قوله : { وَالمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ } قولان :

أحدهما : باسطو أيديهم بالعذاب ، قاله الحسن ، والضحاك .

والثاني : باسطو أيديهم لقبض الأرواح من الأجساد ، قاله الفراء .

ويحتمل ثالثاً : باسطو أيديهم بصحائف{[920]} الأعمال .

{ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ } فيه قولان :

أحدهما : من أجسادكم عند معاينة الموت إرهاقاً لهم وتغليظاً عليهم ، وإن كان إخراجها من فعل غيرهم .

والثاني : أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم ، تقريعاً لهم وتوبيخاً بظلم أنفسهم ، قاله الحسن .

ويحتمل ثالثاً : أن يكون معناه خلصوا أنفسكم بالاحتجاج عنها فيما فعلتم{[921]} .

{ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ } والهون بالضم الهوان ، قاله ذو الأصبع العدواني :

أذهب إليك فما أمي براعية *** ترعى المخاض ولا أغضى على الهون

وأما الهَوْن بالفتح فهو الرفق ومنه قوله تعالى : { الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوناً } يعني برفق وسكينة ، قال الراجز :

هونكما لا يرد الدهر ما فاتا *** لا تهلكن أسى في إثر من ماتا


[918]:- رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد.
[919]:- ثم أسلم بعد فتح مكة وحسن إسلامه، وهو الذي فتح إفريقية، مات بعسقلان.
[920]:- سقط من ق.
[921]:- سقط من ق.