الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

قوله : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } الآية [ 94 ] .

قوله : و( من ){[20845]} قال في{[20846]} موضع جر ، عطفٌ على ( مَن ) الأولى{[20847]} .

المعنى{[20848]} : ومن أخطأُ قولا ممن اختلق على الله الكذب ، فادعى أنه بعثه نبيا{[20849]} . وهذا تسفيه من الله عز وجل لمشركي العرب في معارضة عبد الله بن أبي سرح ومسيلمة{[20850]} للنبي ، ادعى أحدهما{[20851]} النبوة ، وادعى الآخر أنه جاء بمثل ما جاء به النبي{[20852]} .

فالذي قال : { أوحي إلي } هو مسيلمة الكذاب ، والذي قال : { سأنزل مثل ما أنزل الله } عبد{[20853]} الله بن سعد{[20854]} بن أبي سرح ، وكان عبد الله هذا قد كتب للنبي ، فكان{[20855]} يملي عليه ( عزيز حكيم ) فيكتب ( غفور رحيم ) ، وقال : قد أنزل ( علي ){[20856]} مثل الذي أنزل على محمد{[20857]} ، قد كتبت ما لم يُمْل عليَّ . وكان يقرأ على النبي ما يكتب ، فيقول له النبي : نعم سواء{[20858]} .

وقيل : إنه لما نزل { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } إلى آخر القصة{[20859]} ، عجب ابن أبي سرح من خلق الإنسان وانتقاله من حال إلى حال ، فقال { فتبارك الله أحسن الخالقين }{[20860]} ، فقال له النبي : أكتُبها ، فكذلك نُزِّلت عليّ{[20861]} . فرجع عن الإسلام ولحق بقريش وأخبرهم بما كان يصنع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في الذي يكتب{[20862]} : نعم سواء . ثم رجع إلى الإسلام قبل فتح مكة . وفيه نزل : { ولكن من شرح بالكفر صدرا }{[20863]} .

وقيل : إن قائل القولين هو عبد الله هذا{[20864]} . وقيل : هو مسيلمة{[20865]} . وقال ابن عباس : الذي افترى على الله كذبا هو مسيلمة ، والذي قال : ( سأنزل مثل ما أنزل الله ) هو عبد الله بن أبي سرح{[20866]} .

ثم قال تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } /{[20867]} أي : لو{[20868]} ترى يا محمد حين يغمر{[20869]} الموت بسكراته هؤلاء الظالمين{[20870]} المفترين على الله الكذب وقد قرب ( فناء ) آجالهم{[20871]} ، والملائكة قد بسطت أيديها يضربون وجوههم وأدبارهم{[20872]} .

قال ابن عباس : البسط هنا : الضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم{[20873]} .

وقال الضحاك : بسطت{[20874]} الملائكة أيديها بالعذاب{[20875]} . وقيل المعنى : ( باسطو أيديهم ) لإخراج أنفسهم{[20876]} .

{ أخرجوا أنفسكم } أي : يقولون لهم : أخرجوا أنفسكم{[20877]} من العذاب ، أي : خلصوها اليوم{[20878]} .

قوله : { اليوم تجزون عذاب الهون } أي : {[20879]} عذاب جهنم ، وهو عذاب الهوان{[20880]} ، وهذا إخبار من الملائكة للكفار ( بما ){[20881]} يصيرون إليه في الآخرة{[20882]} .

والهون – بالضم - : الهوان ، والهَوْن بالفتح : الرفق والدَّعة{[20883]} ، تقول : ( هو هون المؤونة ){[20884]} ، ومنه قوله : { يمشون على الأرض هونا }{[20885]} يعني بالرفق والسكينة{[20886]} .

قال أبو أمامة : يقبضون [ روح الكافر ]{[20887]} ويعدونه بالنار ويشدد عليه وإن رأيتم{[20888]} أنه ( يُهوّن عليه ، ويقبضون روح المؤمن ويعدونه بالجنة ويهون عليه وإن رأيتم ){[20889]} ( أنه ){[20890]} يُشدَّد{[20891]} عليه .

قوله : { في غمرات الموت } ليس بوقف ، لأن ما بعده في موضع الحال{[20892]} . و{ مثل ما أنزل الله } : وقف حسن{[20893]} . { أيديهم } : وقف ، { غير الحق } وقف عند نافع ، { تستكبرون } تمام حسن ، لأنه آخر{[20894]} قول الملائكة{[20895]} .


[20845]:أ: أؤمُن.
[20846]:ب: من في.
[20847]:ب: الأول. وانظر معاني الفراء 1/344، ومعاني الزجاج 2/272، وإعراب النحاس 1/565، وإعراب مكي 261.
[20848]:ب د: والمعنى.
[20849]:انظر: تفسير الطبري 11/532، 533.
[20850]:الظاهر من الطمس والخرم في (أ) أنها كما أثبت. د: مسلم. وهو أبو ثمامة، مسيلمة بن ثمامة الحنفي الوائلي، وعرف برحمن اليمامة، ادعى النبوة في عهد رسول الله، وكان يضع أسجاعا يضاهي بها القرآن، قتل في معارك اليمامة (سنة 12 هـ) انظر: الأعلام 7/226، وسيرة ابن هشام 1/332، 2/109، 110.
[20851]:ب: أحدهم.
[20852]:انظر: تفسير الطبري 11/533.
[20853]:ب د: هو عبد.
[20854]:ب د: سعيد.
[20855]:ب: وكان.
[20856]:ساقطة من ب.
[20857]:د: النبي.
[20858]:هو قول عكرمة في تفسير الطبري 11/533، ولباب النقول 103، وانظر: معاني الفراء 1/344.
[20859]:المؤمنون الآيات 12، 13، 14.
[20860]:المؤمنون آية 14، وفيها (فتبارك...).
[20861]:انظر: معاني الفراء 1/344.
[20862]:ب: كتب.
[20863]:النحل آية 106، وانظر: التفصيل في سبب نزول هذه الآية بكاملها في قول السدي في تفسير الطبري 11/534.
[20864]:هو قول السدي في تفسير الطبري 11/534.
[20865]:د: مسيلمة الكذاب. وهو قول قتادة في تفسير الطبري 11/535.
[20866]:هو قول عكرمة في المحرر 6/108.
[20867]:جلها مطموس مع بعض الخرم.
[20868]:ب: يعمد.
[20869]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. د: ولو.
[20870]:الظاهر من الطمس والخرم في (أ) أنها كما أثبت. ب: الضالين.
[20871]:الظاهر من الخرم في (أ) أنها كما أثبت. ساقطة من ب، وفي موضعها بياض في د.
[20872]:ب: أدبرهم. وانظر: تفسير الطبري 11/537.
[20873]:ب: أدبرهم. وانظر: تفسير الطبري 11/439، والقطع 314.
[20874]:من (د). وفي النسخ الأخرى: بسط.
[20875]:انظر: تفسير الطبري 11/539.
[20876]:هو قول الفراء في معانيه 1/345، وبعض نحويي الكوفة في تفسير الطبري 11/539.
[20877]:انظر: معاني الأخفش 497، والقطع 314.
[20878]:انظر: معاني الزجاج 2/272، وإعراب مكي 261.
[20879]:ب د: الآية أي.
[20880]:ب د: الهون.
[20881]:ساقطة من د.
[20882]:انظر: تفسير الطبري 11/540.
[20883]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/200.
[20884]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت. ب د: الهونة. وانظر: القطع 314.
[20885]:الفرقان آية 63.
[20886]:انظر: تفسير الطبري 11/541.
[20887]:أ: أرواح الكفار.
[20888]:ب: أريتم.
[20889]:ساقطة من ب.
[20890]:ساقطة من ب د.
[20891]:د: يشد.
[20892]:في القطع 313: (لأن ما بعده مبتدأ، وخبره في موضع الحال).
[20893]:هو قول أحمد بن موسى في القطع 313، وانظر: المكتفى 255.
[20894]:ب: أحد.
[20895]:انظر: القطع 313، 314.