غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

91

ثم ذكر ما يدل على وعيد من ادّعى النبوّة وإنزال الكتاب عليه فرية وامتراء فقال { ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً } قال المفسرون : نزلت في الكذابين مسيلمة الحنفي والأسود العنسي . عن النبي صلى الله عليه وسلم «رأيت فيما يرى النائم كأن في يدي سوارين من ذهب فكبرا علي وأهماني . فأوحى الله إلي أن انفخهما فنفختهما فطارا عني فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا بينهما كذاب اليمامة مسيلمة وكذاب صنعاء الأسود العنسي » . { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } كان مسيلمة يقول : محمد صلى الله عليه وسلم وآله رسول الله في بني قريش ، وأنا رسول الله في بني حنيفة . واعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فكل من نسب إلى الله تعالى ما هو بريء منه إما في الذات وإما في الصفات وإما في الأفعال كان داخلاً تحت هذا الوعيد { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } قال المفسرون : هو النضر بن الحرث كان يدعي معارضة القرآن وهو قوله { لو نشاء لقلنا مثل هذا } [ الأنفال : 31 ] وروي أن عبد الله بن سعد أبي سرح القرشي كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا تلا عليه «سميعاً عليماً » كتب هو «عليماً حكيماً » وإذا قال «عليماً حكيماً » كتب «غفوراً رحيماً » فلما نزل { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } [ المؤمنون : 12 ] أملاه الرسول صلى الله عليه وسلم . فلما وصل إلى قوله { أنشأناه خلقاً آخر } عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال : تبارك الله أحسن الخالقين فقال النبي صلى الله عليه وسلم اكتبها فكذلك نزلت ، فشك عبد الله وقال : لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه ، وإن كان كاذباً لقد قلت كما قال فارتد عن الإسلام ولحق بمكة . فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فر إلى عثمان - وكان أخاه من الرضاعة - فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكة ، ثم أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمن له . ثم فصل ما أجمل من الوعيد فقال { ولو ترى } الآية . وجوابه محذوف أي لرأي يا إنسان أمراً عظيماً { إذ الظالمون } يعني الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة . فاللام للعهد ، ويحتمل أن تكون للجنس فيندرج هؤلاء فيه . وغمرات الموت شدائده وسكراته . وأصل الغمرة ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدة الغالبة { والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم } قيل : إنه لا قدرة لهم على إخراج أرواحهم من أجسادهم فما الفائدة في هذا الخطاب ؟ وأجيب بوجوه منها : أن المراد ولو ترى الظالمين إذا صاروا إلى غمرات الموت في الآخرة إذا ما دخلوا جهنم ، وغمرات الموت عبارة عما يصيبهم هناك من أنواع الشدائد والتعذيبات { والملائكة باسطوا أيديهم } بالعذاب يكلمونهم يقولون لهم { أخرجوا أنفسكم } من هذا العذاب الشديد إن قدرتم . ومنها { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت } عند نزول الموت بهم في الدنيا { والملائكة باسطوا أيديهم } لقبض أرواحهم يقولون لهم { أخرجوا أنفسكم } من هذه الشدائد وخلصوها من هذه الآفات والآلام ، ومنها هاتوا أرواحكم وأخرجوها إلينا من أجسادكم وهذه عبارة عن العنف والتشديد في إزهاق الروح من غير تنفيس وإمهال ، وأنهم يفعلون بهم فعل الغريم الملازم الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويقول : أخرج إليّ مالي عليك ولا أريم مكاني حتى أنزعه من أحداقك . ومنها أنه ليس بأمر وإنما هو وعيد وتقريع كقوله القائل : امض الآن لترى ما يحل بك ، والتحقيق أن نفس المؤمن حال النزع تنبسط في الخروج إلى لقاء ربه ، ونفس الكافر تكره ذلك ويشق عليها الخروج ، وقطع التعلق لأنها تصير إلى العذاب وإليه الإشارة في الحديث «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه » فهؤلاء الكفار يكرههم الملائكة على نزع الروح وعلى فراق المألوف . وفي الآية دلالة على أن النفس الإنسانية شيء غير هذا الهيكل المحسوس ، لأن المخرج يجب أن يكون مغايراً للمخرج منه { اليوم } يريد وقت الإماتة أو الوقت الممتد الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة { تجزون عذاب الهون } كقولك «رجل سوء » بالإضافة لأن العقاب شرطه أن يكون مضرة مقرونة بالإهانة كما أن الثواب شرطه أن يكون منفعة مقرونة بالتعظيم ، والتركيب يدور على قلة المبالاة بالشيء ومنه بالفتح السكينة والوقار ، وهان عليه الشيء أي حقر ، وأهانه استخف به ، والاسم الهون بالضم والهوان والمهانة . والحاصل أنه جمع لهم بين الأمرين الإيلام والإهانة { بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون } يعني أن هذا العذاب الشديد إنما حصل بمجموع الأمرين : الافتراء على الله والتكبر على آيات الله وهو عدم الإيمان بها . قال الواحدي { وكنتم عن آياته تستكبرون } أي لا تصلون له لقوله صلى الله عليه وسلم «من سجد لله سجدة واحدة بنية صادقة فقد برئ من الكبر » .

/خ100