تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا أَوۡ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمۡ يُوحَ إِلَيۡهِ شَيۡءٞ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثۡلَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۗ وَلَوۡ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِي غَمَرَٰتِ ٱلۡمَوۡتِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ أَخۡرِجُوٓاْ أَنفُسَكُمُۖ ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ عَذَابَ ٱلۡهُونِ بِمَا كُنتُمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ} (93)

الآية 93 وقوله تعالى : { ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا } هذا في الظاهر استفهام وسؤال لم يذكر له جواب . لكن أهل التأويل فسروا ، فقالوا : لا أحد { أظلم ممن افترى على الله كذبا } وهذا جواب له ، هو تفسيره . لكن ترك ذكر الجواب لمعرفة أهل الخطاب به ، وقد يكون{[7446]} الجواب لمعرفة أهله به .

وقوله تعالى : { ومن أظلم } أكثرهم قد ظلموا ، أو كلهم قد ظلموا . لكن كأنه قال : لا أحد أفحش ظلما ممن افترى على الله لأنه يتقلب في أنعم الله في ليله ونهاره وإحسانه فهو أفحش ظلما ، وأوحش كذبا .

وقوله تعالى : { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } في الآية دلالة أن نافي الرسالة عمن له الرسالة في الافتراء على الله والكذب كمدعي الرسالة لنفسه ، وليست له الرسالة . سواء كلاهما مفتر على الله كذبا . وكذلك من ادعى أنه ينزل مثل ما أنزل الله ، أو من ادعى أنه لم ينزل الله شيئا ، فهو في الافتراء على الله كالذي ادعى أنه ينزل مثل ما أنزل الله : النافي والمدعي في ذلك سواء شرعا . فعلى ذلك يكون نافي{[7447]} الشيء ومثبته في إقامة الحجة والدليل سواء ، والله أعلم .

وذكر أهل التأويل أن قوله تعالى : { أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء } نزل في مسيلمة الكذاب ، ونزل قوله تعالى : { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } في عبد الله بن سعد{[7448]} بن أبي سرح ، لكن ليس لنا إلى معرفة هذا حاجة ؛ هم وغيرهم ومن ادعى ، وافترى على الله كذبا ، سواء في الوعيد .

وقوله تعالى : { ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله } ادعى بعضهم أنهم يقولون مثل ما قال الله إنكارا منهم له كقوله تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا } [ الأنفال : 31 ] .

وقوله تعالى : { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم } عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[7449]} قال : قوله تعالى : { في غمرات الموت } سكراته وغشيانه { والملائكة باسطوا أيديهم } يقول ملك الموت وأعوانه الذين معه من ملائكة العذاب { باسطوا أيديهم } يقول : ضاربو { أيديهم } أنفسهم ؛ يقولون لها : اخرجي ؛ يعني الأرواح ؛ وهو قول تعالى : { أخرجوا أنفسكم } وهو عند الموت . وكذلك يقول قتادة .

وقال الحسن : ذلك في النار في الآخرة : ضرب الوجوه والأدبار{[7450]} .

وقوله تعالى : { في غمرات الموت } أي كثرة العذاب وشدته ؛ يقال للشيء الكثير الغمر ، وهو كقوله تعالى : { ويأتيه الموت من كل مكان } /155-ب/ [ إبراهيم : 17 ] أي أسباب الموت . ولو كان هناك موت يموت لشدة العذاب .

وقوله تعالى : { باسطوا أيديهم } بضرب الوجوه والأدبار { أخرجوا أنفسكم } على حقيقة الخروج منها كقوله تعالى : { يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها } [ المائدة : 37 ] والأول ليس على حقيقة الخروج ، ولكن كما يقال عند نزول الشدائد : أخرج نفسك . وقال مجاهد : هذا في القتال بضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم ، يعني الأستاه . ولكنه يكون ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وقتادة ، عند الموت .

قال أبو عوسجة : غمرات الموت : سكراته وشدائده ، والغمر هو الماء الكثير ، والغمر الحقد والغمر الذي لم يجرب الأمور ، والغمر الدسم ، والغمر القدح الصغير من الخشب ، وغمرة الحرب وسطها .

وقوله تعالى : { اليوم تجزون عذاب الهون } قيل : عذاب الهون لا رأفة فيه ، ولا رحمة ، أي الشدائد { بما كنتم تقولون على الله غير الحق } بأن معه شريكا وآلهة { وكنتم عن آياته تستكبرون } أنه لم ينزل شيئا ، ولم يوح إليه بشيء ، وإنما أوحى إليه ، وغير ذلك من الافتراء الذي ذكروا ، وبالله العصمة .


[7446]:- في الأصل وم: يقول.
[7447]:- في الأصل وم: في.
[7448]:- في الأصل وم: مسعود.
[7449]:- ساقطة من الأصل وم.
[7450]:- إشارة إلى قوله تعالى: {يضربون وجوههم وأدبارهم} [الأنفال: 50 ومحمد: 27].