قوله تعالى : { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا } يعني : السمك ، { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } يعني : اللؤلؤ والمرجان ، { وترى الفلك مواخر فيه } جواري فيه . قال قتادة مقبلة ومدبرة ، وهو أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر ، تجريان بريح واحدة . وقال الحسن : مواخر أي : مملوءة . وقال الفراء والأخفش : مواخر شواق تشق الماء يجؤجؤها . قال مجاهد : تمخر السفن الرياح . وأصل المخر : الرفع والشق ، وفي الحديث " إذا أراد أحدكم البول فليستمخر الريح " أي : لينظر من أين مجراها وهبوبها ، حتى لا برد عليه البول . وقال أبو عبيده : صوائح ، والمخر : صوت هبوب الريح عند شدتها . { ولتبتغوا من فضله } يعني : التجارة ، { ولعلكم تشكرون } ، إذا رأيتم صنع الله فيما سخر لكم .
{ 14 } { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
أي : هو وحده لا شريك له { الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ } وهيأه لمنافعكم المتنوعة . { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } وهو السمك والحوت الذي يصطادونه منه ، { وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } فتزيدكم جمالا وحسنا إلى حسنكم ، { وَتَرَى الْفُلْكَ } أي : السفن والمراكب { مَوَاخِرَ فِيهِ } أي : تمخر في البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر ، تحمل المسافرين وأرزاقهم وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم .
{ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } الذي يسر لكم هذه الأشياء وهيأها وتثنون على الله الذي منَّ بها ، فلله تعالى الحمد والشكر والثناء ، حيث أعطى العباد من مصالحهم ومنافعهم فوق ما يطلبون ، وأعلى ما يتمنون ، وآتاهم من كل ما سألوه ، لا نحصي ثناء عليه بل هو كما أثنى على نفسه .
وبعد أن ذكر - سبحانه - جملة من نعمه التى أوجدها لعباده فى البر ، أتبع ذلك ببيان جانب من نعمه عليهم عن طريق خلقه للبحر ، فقال - تعالى - : { وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون }
ففى هذه الآية الكريمة بين - سبحانه - أربع نعم على عباده فى تسخير البحر لهم .
أما النعمة الأولى فتتجلى فى قوله - تعالى - { وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } .
والطرى : ضد اليابس ، والمصدر الطراوة ، وفعله طَرُوَ بوزن خشن وقرب .
أى : وهو - سبحانه - وحده الذى ذلل لكم البحر ، بحيث مكنكم من الانتفاع به ، وأقدركم على الركوب عليه ، وعلى الغوص فيه ، وعلى الصيد منه ، لتأكلوا من أسماكه لحما . طريا غضا شهيا .
ووصف - سبحانه - لحم أسماكه بالطراوة ، لأن أكله فى هذه الحالة أكثر فائدة ، وألذ مذاقا ، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل .
وقال بعض العلماء : وفى وصفه بالطراوة ، تنبيه إلى أنه ينبغى المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير ، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ، فسبحان الخبير بخلقه ، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع ، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته - تعالى - فى خلقه الحلو الطرى فى الماء المر الذى لا يشرب .
وقد كره العلماء أكل الطافى منه على وجه الماء ، وهو الذى يموت حتف أنفه فى الماء فيطفو على وجهه ، لحديث جابر - رضى الله عنه - عن النبى صلى الله عليه وسلم : " ما نضب عنه الماء فكلوا ، وما لفظه فكلوا ، وما طفا فلا تأكلوا " .
فالمراد من ميتة البحر فى الحديث : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " مالفظه البحر لا مامات فيه من غير آفة .
وقوله { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } نعمة ثانية من نعم الله - تعالى - للإِنسان فى تسخير البحر له .
والحلية - بالكسر - اسم لما يتحلى به الناس . وجمعها حِلى وحُلى - بضم الحاء وكسرها - يقال : تحلت المرأة إذا لبست الحلى ، أى : ومن فوائد تسخير البحر لكم أنه سبحانه أقدركم على الغوص فيه ، لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما .
قال - تعالى - { مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } والتعبير بقوله - سبحانه - { تستخرجو . . } يشير إلى كثرة الإِخراج فالسين والتاء للتأكيد ، مثل استجاب بمعنى أجاب . كما يشير إلى أن من الواجب على المسلمين أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما فى البحر من كنوز وألا يتركوا ذلك لأعدائهم .
وأسند - سبحانه - لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور فقال : { تلبسونها } على سبيل التغليب ، وإلا فإن هذه الحلية يلبسها النساء فى معظم الأحيان .
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله { تلبسونها } أى : تلبسها نساؤكم ، وأسند الفعل إلى ضمير الرجال ، لاختلاطهم بهم ، وكونهم متبوعين ، أو لأنهم سبب لتزينهن ، فإنهن يتزين ليحسن فى أعين الرجال ، فكأن ذلك زينتهم ولباسهم .
{ وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : والذي فعل هذه الأفعال بكم وأنعم عليكم أيها الناس هذه النعم ، الذي سخر لكم البحر ، وهو كلّ نهر ملحا ماؤه أو عذبا . لتَأْكُلُوا منْهُ لَحْما طرِيّا وهو السمك الذي يصطاد منه . وتَسْتَخْرِجُوا منْهُ حلْيَةً تَلْبَسُونَها وهو اللؤلؤ والمرجان . كما :
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : أخبرنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله : وَهُوَ الّذِي سَخّرَ البَحْرَ لتَأْكُلُوا منْهُ لَحْما طَرِيّا قال : منهما جميعا . وتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حلْيَةً تَلْبَسُونَهَا قال : هذا اللؤلؤ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْما طَرِيّا يعني حيتان البحر .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا حماد ، عن يحيى ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الملك ، قال : جاء رجل إلى أبي جعفر ، فقال : هل في حليّ النساء صدقة ؟ قال : لا ، هي كما قال الله تعالى : حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ يعني السفن ، مَوَاخرَ فِيهِ وهي جمع ماخرة .
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : مَوَاخرَ فقال بعضهم : المواخر : المواقر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن موسى القزاز ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا يونس ، عن الحسن ، في قوله : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : المواقر .
حدثنا به عبد الرحمن بن الأسود ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة ، عن أبي بكر الأصمّ ، عن عكرمة ، في قوله : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : ما أخذ عن يمين السفينة وعن يسارها من الماء ، فهو المواخر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة ، في قوله : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : هي السفينة تقول بالماء هكذا ، يعني تشقه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : تجري فيه متعرضّة .
حدثني به محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : تمخر السفينة الرياح ، ولا تمخر الريحَ من السفن إلا الفلك العظامُ .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حُذيفة ، قال : حدثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه ، غير أن الحرث قال في حديثه : ولا تمخر الرياح من السفن .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : مَوَاخرَ قال : تمخر الريح .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ تجري بريح واحدة ، مُقبلة ومُدبرة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : تجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة .
حدثنا المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن يزيد بن إبراهيم ، قال : سمعت الحسن : وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِيهِ قال : مقبلة ومدبرة بريح واحدة .
والمخْر في كلام العرب : صوت هبوب الريح إذا اشتدّ هبوبها ، وهو في هذا الموضع : صوت جري السفينة بالريح إذا عصفت وشقها الماء حينئذ بصدرها ، يقال منه : مخرت السفينة تمخر مخرا ومخورا ، وهي ماخرة ، ويقال : امتخرت الريح وتمخرتها : إذا نظرتَ من أين هبوبها وتسمّعت صوت هبوبها . ومنه قول واصل مولى ابن عيينة : كان يقال : إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح ، يريد بذلك : لينظر من أين مجراها وهبوبها ليستدبرها فلا ترجع عليه البول وتردّه عليه .
وقوله : وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالى ذكره : ولتتصرّفوا في طلب معايشكم بالتجارة سخر لكم . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ قال : تجارة البرّ والبحر .
وقوله : وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول : ولتشكروا ربكم على ما أنعم به عليكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التي عدّدها في هذه الاَيات .
وقوله تعالى : { وهو الذي سخر البحر } الآية تعديد نعم ، وتسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه وتذليله للركوب والإرفاق وغيره ، و { البحر } الماء الكثير ملحاً كان أو عذباً ، كله يسمى بحراً ، و { البحر } هنا اسم جنس ، وإذا كان كذلك فمنه أكل اللحم الطري ومنه «استخراج الحلية » ، و «أكل اللحم » يكون من ملحه وعذبه ، وإخراج الحلية إنما يكون فيما عرف من الملح فقط ، ومما عرف من ذلك اللؤلؤ والمرجان والصدف والصوف البحري ، وقد يوجد في العذب لؤلؤ لا يلبس إلا قليلاً ، وإنما يتداوى به ، ويقال إن في الزمرد بحرياً وقد خطىء الهذلي في وصف الدرة . [ الطويل ]
فجاء بها من درة لطمية . . . على وجهها ماء الفرات يدوم
قال القاضي أبو محمد : وتأمل أن قوله يخرج على أنه وصف بريقها ومائيتها فشبهه بماء الفرات ، ولم يذهب إلى الغرض الذي خطىء فيه ، و «اللحم الطري » ، و «الحلية » ما تقدم ، و { الفلك } هنا جمع ، و { مواخر } جمع ماخرة ، والمخر في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق أو يصعب في الجملة الماء فيترتب منه أن يكون من السفينة ونحوها وهو في هذه الآية من السفن ، ويقال للسحاب بنات مخر تشبيهاً ، إذ في جريها ذلك الصوت الذي هو عن الريح والماء الذي في السحاب ، وأمرها يشبه أمر البحر على أن الزجاج قد قال : بنات المخر سحاب بيض لا ماء فيها ، وقال بعض اللغويين المخر في كلام العرب الشق يقال : مخر الماء الأرض .
قال القاضي أبو محمد : فهذا بين أن يقال فيه للفلك { مواخر } ، وقال قوم { مواخر } معناه تجيء وتذهب بريح واحدة ، وهذه الأقوال ليست تفسير اللفظة ، وإنما أرادوا أنها مواخر بهذه الأحوال ، إذ هي موضع النعمة المعددة ، إذ نفس كون الفلك ماخرة لا نعمة فيه ، وإنما النعمة في مخرها بهذه الأحوال في التجارات والسفر فيها وما يمنح الله فيها من الأرباح والمن ، وقال الطبري : المخر في اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد ذلك بكون في ماء ، وقال إن من ذلك قول واصل مولى ابن عيينة إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح أي لينظر في صوتها في الأجسام من أين تهب ، فيتجنب استقبالها لئلا ترد عليه بوله ، وقوله { ولتبتغوا } عطف على { تأكلوا } ، وهذا ذكر نعمة لها تفاصيل لا تحصى ، فيه إباحة ركوب البحر للتجارة وطلب الأرباح ، وهذه ثلاثة أسباب في تسخير البحر .
القول في هذا الاستدلال وإدماج الامتنان فيه كالقول فيما سبق .
وتقدّم الكلام على تسخير الفلك في البحر وتسخير الأنهار في أثناء سورة إبراهيم .
ومن تسخير البحر خلقه على هيئة يمكن معها السبح والسير بالفلك ، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان المخلوقة فيه والمسخّرة لحيل الصائدين . وزيد في الامتنان أن لحم صيده طريّ .
و ( مِن ) ابتدائية ، أي تأكلوا لحماً طريّاً صادراً من البحر .
والطريّ : ضد اليابس . والمصدر : الطراوة . وفعله : طَرو ، بوزن خَشُن .
والحلية : ما يتحلّى به الناس ، أي يتزينون . وتقدم في قوله تعالى { ابتغاء حلية } في سورة الرعد ( 17 ) . وذلك اللؤلؤ والمَرجان ؛ فاللؤلؤ يوجد في بعض البحار مثل الخليج الفارسي ، والمرجان يوجد في جميع البحار ويكثر ويقلّ . j وسيأتي الكلام على اللؤلؤ في سورة الحجّ ، وفي سورة الرحمان . ويأتي الكلام على المَرجان في سورة الرحمن .
والاستخراج : كثرة الإخراج ، فالسين والتاء للتأكيد مثل : استجاب لمعنى أجاب .
واللبس : جعل الثوب والعمامة والمصوغ على الجسد . يقال : لبس التاج ، ولبس الخاتم ، ولبس القميص . وتقدم عند قوله تعالى : { قد أنزلنا عليكم لباسا } في سورة الأعراف ( 26 ) .
وإسناد لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور تغليب ، وإلا فإن غالب الحلية يلبسها النساء عدا الخواتيم وحلية السيوف .
وجملة وترى الفلك مواخر فيه } معترضة بين الجمل المتعاطفة مع إمكان العطف لقصد مخالفة الأسلوب للتعجيب من تسخير السير في البحر باستحضار الحالة العجيبة بواسطة فعل الرؤية . وهو يستعمل في التعجيب كثيراً بصيغ كثيرة نحو : ولو ترى ، وأرأيت ، وماذا تَرى . واجتلاب فعل الرؤية في أمثاله يفيد الحثّ على معرفة ذلك . فهذا النظم للكلام لإفادة هذا المعنى ولولاها لكان الكلام هكذا : وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وتبتغوا من فضله في فُلْكٍ مواخرَ .
وعطف { ولتبتغوا } على { وتستخرجوا } ليكون من جملة النّعم التي نشأت عن حكمة تسخير البحر . ولم يجعل علة لمخر الفلك كما جعل في سورة فاطر ( 12 ) { وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله } لأن تلك لم تصدر بمنّة تسخير البحر بل جاءت في غرض آخر .
وأعيد حرف التعليل في قوله تعالى : { ولتبتغوا من فضله } لأجل البعد بسبب الجملة المعترضة .
والابتغاء من فضل الله : التجارة كما عبّر عنها بذلك في قوله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم } في سورة البقرة ( 198 ) .
وعطف { ولعلكم تشكرون } على بقية العلل لأنه من الحكم التي سخّر الله بها البحر للناس حملاً لهم على الاعتراف لله بالعبودية ونبذهم إشراك غير ربّه فيها . وهو تعريض بالذين أشركوا .