الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

قوله تعالى : { مِنْهُ لَحْماً } : يجوز في " منه " تعلُّقُه ب " لتأكلوا " ، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ من النكرة بعده . و " مِنْ " لابتداء الغاية أو للتبعيضِ ، ولا بُدَّ مِنْ حذفِ مضافٍ ، أي : مِنْ حيوانِه .

و " طَرِيّاً " فَعِيْل مِنْ طَرُوَ يَطْرُوْ طَراوةً كسَرُوَ يَسْرُوْ سَراوَةً . وقال الفراء : " بل يقال : طَرِيَ يَطرَى طَراوةً وطَراءً مثل : شَقِيَ يَشْقَى شَقَاوَةً وشَقاءً " . والطَّراوةُ ضد اليَبُوسة ، أي : غَضاً جديداً . ويُقال : الثيابُ المُطَرَّاة . والإِطراء : مَدْحٌ تَجَدَّد ذِكْرُه ، وأمَّا " طَرَأَ " بالهمز فمعناه طَلَع .

قوله : " حِلْيةً " الحِلْيَةُ : اسمٌ لِما يُتَحَلَّى به ، وأصلُها الدلالةُ على الهيئة كالعِمَّة والخِمْرَة . و " تَلْبَسُونها " صفةٌ . و " منه " يجوز فيه ما جاز في " منه " قبله . وقوله " تَرَى " جملةٌ معترضةٌ بين التعليلين وهما " لتأكلوا " و " لِتَبْتَغُوا " ، وإنما كانَتْ اعتراضاً لأنها خطابٌ لواحد بين خطابين لجمعٍ .

قوله : " فيه " يجوز أَنْ يتعلَّقَ ب " ترى " ، وأَنْ يتعلَّقَ ب " مواخِرَ " لأنها بمعنى شَواقَّ ، وأن يتعلَّقَ بمحذوفٍ لأنه حالٌ مِنْ " مَواخِر " ، أو مِنَ الضميرِ المستكنِّ فيه .

و " مَواخِر " جمع ماخِرة ، والمَخْرُ : الشَّقُّ ، يُقال : مَخَرَتِ السفينةُ البحرَ ، أي : شَقَّتْه ، تَمْخُره مَخْراً ومُخُوراٌ . ويقال للسُّفُنِ : بناتُ مَخْرٍ وبَخْرٍ بالميم ، والباءُ بدل منها . وقال الفراء : " هو صوتُ جَرْيِ الفُلْكِ " . وقيل : صوتُ شدَّةِ هُبوبِ الريحِ . وقيل : " بناتُ مَخْرٍ " لسَحابٍ ينشَأُ صَيْفاً ، وامْتَخَرْتُ الريحَ واسْتَمْخَرْتُها ، أي : استقبلْتَها بأنفك . وفي الحديث : " اسْتَمْخِروا الريحَ ، وأَعِدُّوا النُّبَلَ " يعني في الاستنجاء ، والماخُور : الموضع الذي يُباع فيه الخمرُ . و " ترى " هنا بَصَريَّةٌ فقط .

قوله : " ولِتَبْتَغُوا " فيه ثلاثةُ أوجهٍ : عطفُه على " لتأكلوا " ، وما بينهما اعتراضٌ -كما تقدَّم- وهذا هو الظاهرُ . ثانيها : أنه عطفٌ على علةٍ محذوفةٍ تقديره : لتنتفعوا بذلك ولتبتَغُوا ، ذكره ابن الأنباري ، ثالثُها : أنه متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ ، أي : فَعَل ذلك لتبتغوا ، وفيهما تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه .