الآية 14 : وقوله تعالى : { هو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا } وتسخيره إياه لنا هو ما بذل للخلق ما فيه من أنواع الأموال التي خلق الله فيه من الحلي والجوهر واللؤلؤ ، وبذل ما فيه من الدواب والسمك وغيره . فلولا تسخير الله إياه للخلق وتعليمه إياهم الحيل التي بها يوصل إلى ما فيه من الأموال النفيسة ، وإلا ما قدروا على استخراج ما فيه و الوصول إليه لشدة أهواله وإفزاعه .
وقوله تعالى : { لتأكلوا منه لحما طريا } يحتمل السمك خاصة ، ويحتمل السمك وما فيه من الدواب ، من نوع ما لو كان بريا أكل من نحو الجواميس وغيرها .
وقوله تعالى : { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } تحتمل الحيلة اللؤلؤ والمرجان الذي ذكر في آية أخرى حين {[10093]} قال : { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } ( الرحمن : 22 ) .
ثم يحتمل قوله : { حلية } أي ما يتخذ منه حلية . وهذا جائز أن يسمى الشيء باسم ما يتخذ منه ، وباسم ما يصير به في المتعقب ، أو يسمى حلية لأنه زينة . ولا شك أن اللؤلؤ والمرجان هما زينة وجمال ، وفي الخيل والبغال كذلك . فالزينة في اللؤلؤ والمرجان أكثر ، والجمال فيه أظهر .
أخبر أنه جعل لنا الوصول إلى الثاني : قعر البحر ، وهو ما ذكر من اللؤلؤ وأنواع الحلي ، وما في بطن البحر ، وهو ما ذكر من اللحم الطري ، وما هو على وجه الماء ، وهو السفن التي ذكر .
ووجه تسخيره [ إياه لنا ]{[10094]} الحيل والأسباب التي علمنا حتى نصل إلى ما فيه . فكأنه قال : سخرت لكم البحر من أسفله إلى أعلاه . وفي ذلك دلالات :
أحدها : إباحة التجارة بركوب الأخطار لأن الغائص{[10095]} في البحر يخاطر{[10096]} بنفسه وروحه . وكذلك راكب السفن . فلو لا أنه مباح له طلب ذلك ، وإلا ما ذكر هذا في منته ؛ إذ هو يخرج مخرج ذكر الامتنان ، والله أعلم .
وقوله : { وترى الفلك مواخر فيه } قال الحسن والأصم : المواخر السفن المشحونات {[10097]} الوافرة أحمالها وأثقالها ؛ يذكر منته التي من بها عليهم حين{[10098]} جعل لهم السفن والفلك ، تحمل بها الأحمال الثقال العظام في البحار ، ما سبيلها التسفل والانحدار في البحر ، فأمسكها فيه بالسفن العظام الثقيلة .
وقال بعضهم : { مواخر } أي جارية مقبلة مدبرة بريح واحدة في البحر ، لأن ماء البحر راكد ، فأجرى السفن فيه بالرياح حيث أرادوا ، وقصدوا ؛ إذ الأشياء قد تجري على مجرى الماء إذا كان له جرية ، وأما إذا كان راكدا ساكنا فلا سبيل إلى ذلك . فيذكر عظيم منته وقدرته على إجراء السفن في الماء الراكد بالريح .
وقال بعضهم : { مواخر } أي جواري ، تشق الماء شقا ، وتخرقه ؛ يقال : مخرت السفينة ، ومنه مخر الأرض ، إنما هو شق الماء لها ، وهو قول القتبي . فكذلك قال أبو عبيدة : إنه من شق السفن الماء . وقال أبو عوسجة : المواخر المستقبلة ؛ يقال : استمخر الإنسان الريح إذا استقبلها . وقال أبو عبيدة : { مواخر } من الاستدبار ؛ يقال : إذا أراد أحدكم البول فليستخمر الريح ، أي يستدبرها ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولتبتغوا من فضله } يحتمل بالتجارة التي جعل فيها حيث جعل فيها قطع البحار إلى بلاد نائية بعيدة بالسفن ليبتغوا ما به قوام أبدانهم وأنفسهم ؛ إذ جعل بنيتهم بنية لا تقوم إلا بالأغذية ، ولعلهم لا يظفرون بما به قوام أبدانهم وبنيتهم في بلادهم ، فيحتاجون إلى البلاد النائية البعيدة عنهم ، فمَنَّ عليهم بذلك . كما من بقطع المفاوز والبوادي بالدواب بقوله : { وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } ( النحل : 7 ) .
أو قال : { ولتبتغوا من فضله } بما يستخرج منه { ولعلكم تشكرون } جميع ما ذكر من ألوان النعم والمنافع من أول السورة إلى آخرها يستأدي به شكره .
وفي قوله : { ولتبتغوا من فضله } دلالة إباحة التجارة وطلب الفضل بركوب الأخطار واحتمال الشدائد حين{[10099]} أخبر أنه سخر البحر حتى أمكنهم ركوبه بالحيل والأسباب التي علمها لهم ، لأن الغواص يخاطر {[10100]} بروحه ونفسه ، وكذلك راكب السفينة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.