التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

قوله تعالى : { وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 14 ) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهار وسبلا لعلكم تهتدون ( 15 ) وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( 16 ) } ذلك شروع في ذكر نوع آخر من النعم التي أسبغها الله على عباده . وهي من نعم البحار ؛ فقد سخر الله البحر بتذليله وتسهيله للإنسان ليجني منه منافع كثيرة في حياته . فقال سبحانه مبينا ذلك ( لتأكلوا منه لحما طريا ) وهو السمك . وقد عبّر عنه باللحم إشارة إلى قلة عظامه ؛ فهو ميسور الأكل كبير الفائدة .

قوله : ( وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ) ومن نعم الله على الناس ما ذلله لهم من مذخور البحر وما فيه من حلية ثمينة كاللؤلؤ والمرجان وغيرهما من ذخائر البحر ( تلبسونها ) وهذه من ملبوسات النساء جعلها الله لهن ليتزيّن لها فتعم الفائدة كلا الطرفين . الرجال والنساء ؛ فالنساء بلباس الحلي يستشعرون الحلاوة والبهجة . وكذلك الرجال يُسرون ويتلذذون برؤية زوجاتهم وهن يرفلن بألبسة الزينة الجميلة ؛ فهم جميعا يجدون في حلية البحر المستخرجة ما ينشر في حياتهم الجمال والبهجة والسرور ، وتلك نعمة من نعم الله على العباد .

قوله : ( وترى الفلك مواخر فيه ) المواخر يعني الجواري ، جميع ماخرة ؛ أي جارية . والمخر معناه الشق . نقول : مخر السابحُ ؛ أي شق الماء بيديه . وسميت الفلك وهي السفن مواخر ؛ لأنها تشق الماء بجئاجئها ، جمع جؤجؤ ، وهو مقدمة السفينة{[2505]} .

قوله : ( ولتبتغوا من فضله ) معطوف على قوله : ( وتستخرجوا ) و ( من فضله ) أي من واسع رزقه ؛ فالناس بركوبهم السفن الجواري وهي تمخر عباب البحار ، يرومون الرزق والكسب بالتجارة وغيرها . وهذا كله من فضل الله ؛ أي من جزيل عطائه وامتنانه وواسع بره ورحمته .

قوله : ( ولعلكم تشكرون ) أي تذكرون ما منّ الله به عليكم من خير ، وما أسبغه عليكم من وافر العطاء والنعمة مما تجدونه من خيرات البر والبحر فتبادرون إلى طاعته وعبادته .


[2505]:- القاموس المحيط ص 609.