لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

ولذلك ختم هذه الآية بقوله تعالى { وهو الذي سخر لكم البحر } لما ذكر الله سبحانه وتعالى الدلائل الدالة على قدرته ، ووحدانيته من خلق السموات والأرض ، وخلق الإنسان من نطفة وخلق سائر الحيوان والنبات وتسخير الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من آثار قدرته ، وعجائب صنعته وذكر إنعامه في ذلك على عباده ، ذكر بعد ذلك إنعامه على عباده بتسخير البحر لهم نعمة من الله عليهم ، ومعنى تسخير الله البحر لعباده جعله بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به . فقال تعالى : وهو الذي سخر البحر { لتأكلوا منه لحماً طرياً } فبدأ بذكر الأكل لأنه أعظم المقصود ، لأن به قوام البدن وفي ذكر الطري مزيد فائدة دالة على كمال قدرة الله تعالى ، وذلك أن السمك لون كان كله مالحاً لما عرف به من قدرة الله تعالى ، ما يعرف بالطري لأنه لما خرج من البحر الملح الزعاق ، الحيوان الطري الذي لحمه في غاية العذوبة علم أنه إنما حدث بقدرة الله ، وخلقه لا بحسب الطبع وعلم بذلك أن الله قادر على إخراج الضد من الضد . المنفعة الثانية قوله تعالى { وتستخرجوا منه حلية تلبسونها } يعني اللؤلؤ والمرجان ، كما قال تعالى : يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأن زينة النساء بالحلي ، وإنما هو لأجل الرجال فكان ذلك زينة لهم . المنفعة الثالثة قوله تعالى { وترى الفلك } يعني السفن { مواخر فيه } يعني جواري فيه قال قتادة : مقبلة ومدبرة وذلك أنك ترى سفينتين أحداهما تقبل والأخرى تدبر تجريان بريح واحدة وأصل المخر في اللغة الشق يقال : مخرت السفينة مخراً إذا شقت الماء بجؤجؤها . وقال مجاهد : تمخر الرياح السفن يعني أنها إذا جرت يسمع لها صوت قال أبو عبيدة : يعني من صوائح والمخر صوت هبوب الريح عند شدتها وقال الحسن : مواخر يعني مواقر أي مملوءة متاعاً { ولتبتغوا من فضله } يعني الأرباح بالتجارة في البحر { ولعلكم تشكرون } يعني إنعام الله عليكم إذا رأيتم نعم الله فيما سخر لكم .