غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (14)

1

ومن جملة الآيات التي هي في الحقيقة إنعامات على الإنسان تسخير البحر بالركوب عليه والانتفاع به أكلاً ولبساً . والمراد باللحم الطريّ السمك . قال ابن الأعرابي : لحم طريّ غير مهموز ومصدره طراوة . يقال : شيء طريّ أي غض بين الطراوة . وقال قطرب : طرو اللحم وطري طراوة والمراد في الآية السمك وما في معناه . قال في الكشاف : وصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيسارع إلى أكله خيفة الفساد عليه . وقال المتكلمون : إنه لما خرج من البحر المالح الزعاق الحيوان الذي لحمه في غاية العذوبة ، علم أنه لم يحدث بحسب الطبع بل حدث بقدرة الله تعالى وحكمته بحيث أظهر الضد من الضد . قال أكثر الفقهاء ومنهم أبو حنيفة والشافعي : من حلف أن لا يأكل لحماً فأكل سمكاً لم يحنث لأن اللحم لا يتناوله عرفاً . ومبنى الأيمان على العرف والعادة . ولهذا لو قال لغلامه : اشتر لحماً فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار عليه . ورد عليهم الإمام فخر الدين الرازي بأنه إذا قال لغلامه : اشتر لحماً فجاء بلحم العصفور كان حقيقاً بالإنكار مع أنكم تقولون إنه يحنث بأكل لحم العصفور . فثبت أن العرف مضطرب والرجوع إلى نص القرآن متعين فليس فوق بيان الله بيان . ولقائل أن يقول : لعل الإنكار في هذه الصورة بعد تسليمه إنما جاء من قبل ندرة شراء العصفور أو شراء لحمه فإنه إنما يشترى كله ولم يجىء من إطلاق اللحم على لحمه . ومن منافع البحر استخراج الحلية منه قالوا : أراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان ، والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأنهن من جملتهم ولأن تزيينهن لأجلهم . ولقائل أن يقول : لا مانع من تزيين الرجال باللآلىء ونحوها شرعاً فلا حاجة إلى هذه التكلف . استدل الإمام فخر الدين بالآية في إبطال قول الشافعية إنه لا زكاة في الحلى قال : لأن اللام فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا زكاة في الحلى " تنصرف إلى المعهود السابق ولا معهود إلا ما في الآية من الحلية فصار معنى الحديث : لا زكاة في اللآلىء . وهذا باطل بالاتفاق . ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن تكون اللام للجنس فتشمل المصوغ من الذهب والفضة أيضاً فيكون الحديث مخصصاً بالآية إن ثبت صحته ؟

ومن عجائب البحر ومنافعه قوله سبحانه : { وترى الفلك مواخر فيه } قال أهل اللغة : مخر السفينة شقها الماء بصدرها . وعن الفراء صوت دويّ الفلك بالرياح . وقال ابن عباس : مواخر أي جواري . وإنما حسن هذا التفسير لأنها لا تشق الماء إلا إذا كانت جارية : وقوله : { لتبتغوا من فضله } أي تتجروا فيه فتطلبوا الربح من فضل الله وإذا وجدتم فضله وإحسانه فلعلكم تقدمون على شكره . واعلم أن قوله : { مواخر فيه } جاء على القياس لأن موضع الظرف المتعلق بمواخر بعد مضي مفعولي " ترى " ، وأما في سورة الملائكة فقدم الظرف ليكون موافقاً لقوله : { ومن كل تأكلون } ولتقدم الجار في قوله : { ومن كل تأكلون } حذف لفظة " منه " هناك . الواو في { ولتبتغوا } في هذه السورة للعطف على لام العلة في { لتأكلوا } وقوله : { وترى الفلك مواخر فيه } اعتراض في السورتين يجري مجرى المثل ولهذا وحد الخطاب في قوله : { وترى } وقبله وبعده جمع " أي لو حضرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة . ويمكن أن يقال : إنما قال في الملائكة { فيه مواخر } بتقديم الظرف لئلا يفصل بين لام العلة وبين متعلقها وهو مواخر ، وليكتنف المتعلق المتعلقان . وإنما بنينا الكلام على أن قوله : { فيه } متعلق ب { مواخر } لا ب { ترى } لقرب هذا وبعد ذاك والله أعلم .

/خ23