ومن جملة الآيات التي هي في الحقيقة إنعامات على الإنسان تسخير البحر بالركوب عليه والانتفاع به أكلاً ولبساً . والمراد باللحم الطريّ السمك . قال ابن الأعرابي : لحم طريّ غير مهموز ومصدره طراوة . يقال : شيء طريّ أي غض بين الطراوة . وقال قطرب : طرو اللحم وطري طراوة والمراد في الآية السمك وما في معناه . قال في الكشاف : وصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيسارع إلى أكله خيفة الفساد عليه . وقال المتكلمون : إنه لما خرج من البحر المالح الزعاق الحيوان الذي لحمه في غاية العذوبة ، علم أنه لم يحدث بحسب الطبع بل حدث بقدرة الله تعالى وحكمته بحيث أظهر الضد من الضد . قال أكثر الفقهاء ومنهم أبو حنيفة والشافعي : من حلف أن لا يأكل لحماً فأكل سمكاً لم يحنث لأن اللحم لا يتناوله عرفاً . ومبنى الأيمان على العرف والعادة . ولهذا لو قال لغلامه : اشتر لحماً فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار عليه . ورد عليهم الإمام فخر الدين الرازي بأنه إذا قال لغلامه : اشتر لحماً فجاء بلحم العصفور كان حقيقاً بالإنكار مع أنكم تقولون إنه يحنث بأكل لحم العصفور . فثبت أن العرف مضطرب والرجوع إلى نص القرآن متعين فليس فوق بيان الله بيان . ولقائل أن يقول : لعل الإنكار في هذه الصورة بعد تسليمه إنما جاء من قبل ندرة شراء العصفور أو شراء لحمه فإنه إنما يشترى كله ولم يجىء من إطلاق اللحم على لحمه . ومن منافع البحر استخراج الحلية منه قالوا : أراد بالحلية اللؤلؤ والمرجان ، والمراد بلبسهم لبس نسائهم لأنهن من جملتهم ولأن تزيينهن لأجلهم . ولقائل أن يقول : لا مانع من تزيين الرجال باللآلىء ونحوها شرعاً فلا حاجة إلى هذه التكلف . استدل الإمام فخر الدين بالآية في إبطال قول الشافعية إنه لا زكاة في الحلى قال : لأن اللام فيما يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا زكاة في الحلى " تنصرف إلى المعهود السابق ولا معهود إلا ما في الآية من الحلية فصار معنى الحديث : لا زكاة في اللآلىء . وهذا باطل بالاتفاق . ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن تكون اللام للجنس فتشمل المصوغ من الذهب والفضة أيضاً فيكون الحديث مخصصاً بالآية إن ثبت صحته ؟
ومن عجائب البحر ومنافعه قوله سبحانه : { وترى الفلك مواخر فيه } قال أهل اللغة : مخر السفينة شقها الماء بصدرها . وعن الفراء صوت دويّ الفلك بالرياح . وقال ابن عباس : مواخر أي جواري . وإنما حسن هذا التفسير لأنها لا تشق الماء إلا إذا كانت جارية : وقوله : { لتبتغوا من فضله } أي تتجروا فيه فتطلبوا الربح من فضل الله وإذا وجدتم فضله وإحسانه فلعلكم تقدمون على شكره . واعلم أن قوله : { مواخر فيه } جاء على القياس لأن موضع الظرف المتعلق بمواخر بعد مضي مفعولي " ترى " ، وأما في سورة الملائكة فقدم الظرف ليكون موافقاً لقوله : { ومن كل تأكلون } ولتقدم الجار في قوله : { ومن كل تأكلون } حذف لفظة " منه " هناك . الواو في { ولتبتغوا } في هذه السورة للعطف على لام العلة في { لتأكلوا } وقوله : { وترى الفلك مواخر فيه } اعتراض في السورتين يجري مجرى المثل ولهذا وحد الخطاب في قوله : { وترى } وقبله وبعده جمع " أي لو حضرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة . ويمكن أن يقال : إنما قال في الملائكة { فيه مواخر } بتقديم الظرف لئلا يفصل بين لام العلة وبين متعلقها وهو مواخر ، وليكتنف المتعلق المتعلقان . وإنما بنينا الكلام على أن قوله : { فيه } متعلق ب { مواخر } لا ب { ترى } لقرب هذا وبعد ذاك والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.